للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصنف: أن الحذف بمجرد الاختصار إنما تحسن عند قيام القرينة من غير حاجة إلى إقامتها، فإن هذا الحذف لتعليل مؤنة الإفادة عند ضيق المقام، فلا يحسن ما لم يكن في الحذف تخفيف مؤنة الذكر من غير حاجة إلى مؤنة أخرى (نحو:

أصغيت إليه أي: أذنى) فإن النسبة إلى الأذن مأخوذة في الإصغاء، فالقرينة قائمة مع ذكر الفعل (وعليه قوله تعالى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ (١) أي:

ذاتك) فإن الجزاء قرينة على أن المفعول ذاتك، ولتفاوت بين القرينتين لا يخفى قال وعليه.

(وإما للرعاية على الفاصلة) عدي الرعاية بعلى لتضمين معنى المحافظة (نحو قوله تعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٢) أي:

ما قلاك، ولا مزاحمة بين هذا وقول الكشاف أن الحذف للاختصار وظهور المحذوف؛ إذ لا تزاحم في النكات، والأولى بالاعتبار في هذا المقام ما ذكره صاحب الكشاف؛ إذ الحذف للرعاية على الفاصلة لا مدخل له في البلاغة؛ لأنه لتحصيل الفاصلة التي هي من المحسنات البديعية، فذكره في علم المعاني إنما يصح على سبيل الاستطراد، وربما تدعو رعاية الفاصلة إلى الذكر.

(وإما لاستهجان ذكره [كقول عائشة رضي الله عنها: ما رأيت منه]) (٣) عليه الصلاة والسّلام ([ولا رأى مني] أي: العورة) والأحسن أن الحذف لتأكيد أمر ستر العورة حتى أنه يستر لفظها على السامع.

(وإما لنكتة أخرى) قد عرفت منها واحدة أخرى، وتركت لمزيد التفصيل؛ لأنك صرت ممن يتحرى، ومما ذكره الشارح المحقق ما روعي فيه قوله تعالى:


(١) سورة الأعراف، الآية (١٤٣).
(٢) سورة الضحى، الآية (١ - ٣).
(٣) هذا الحديث روي عنها بلفظ: «ما رأيت عورة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قط» قال الشيخ الألباني: أخرجه الطبراني في «الصغير» ومن طريق أبو نعيم والخطيب، وفي سنده بركة من محمد الحلبي، ولا بركة فيه- فإنه كذاب وضاع، وقد ذكر له الحافظ ابن حجر في «اللسان» (٢/ ١٣) هذا الحديث من أباطيله، وله طريق أخرى عند ابن ماجه وابن سعد، وفيه مولاة لعائشة، وهي مجهولة، ولذلك ضعف سنده البوصيري في الزوائد، ويعارضه ما ثبت في الصحيحين وأبي عوانة عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم من إناء بيني وبينه واحد، تختلف أيدينا فيه، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان.
[راجع آداب الزفاف للشيخ الألباني ص ٣٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>