للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الفن بقول أصحاب التفسير فيما ادعاه، وهو مرجعهم في تصحيح دعاويهم، قلت: التمسك بقوله من حيث أنهم علماء العربية، لا من حيث أنهم أصحاب التفسير إلا أنه عين مكانا قالوا فيه ذلك، فالوجه في الحقيقة إتيان قول أئمة العربية واستعمال العرب (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ (١) بالنصب: معناه: ما حرم عليكم إلا الميتة) وأيد قولهم بقوله (وهو المطابق لقراءة الرفع (٢) لما مر)؛ إذ القراءة أن المراد أن يكون بعضها مفسرة لبعض، فإذا كان قراءة الرفع مفيدة لحصر المحرم في الميتة ينبغي أن يكون المراد في قراءة النصب أيضا الحصر، فلو لم يكن إنما للحصر لكان النظم مفوتا لأداة الحصر، مع إرادته، تعالى عن ذلك، ولما اكتفى بقوله: لقراءة الرفع من غير تعرض لحرم، تبادر منه أن حرم على حاله التي كانت له في قراءة النصب، وهو البناء للفاعل، وهو المراد أو في قراءة البناء للمفعول يحتمل أن تكون الميتة مرفوع حرم، فلا تكون فيه دليل على كون إنما للحصر، ووجه إرادة الحصر في قراءة الرفع على ما بينه المفتاح، أن ما موصولة، إذ لا مجال لكونها كافة، وإلا لم يصح رفع الميتة إلا بتقرير إنما حرم الله عليكم شيئا هو الميتة، ولا يجوز حذف موصوف الجملة في مثله، كما بين في محله، والميتة خبره، فهو مثل المنطلق زيد؛ إذ اللام في اسم الفاعل موصولة وقد عرفت أنه يفيد قصر الجنس، وبهذا اندفع ما توهم من قلة التتبع، وعدم التنبه أن قراءة الرفع يفيد قصر الميتة على ما حرم، وقراءة النصب عكسه، فكيف يتطابقان؟ فإن قلت: التأكيد ليس بقوي، إذ لا يلزم الحصر تعريف المسند إليه تعريفا جنسيا، بل قد يفيده، قلت: إنما يحتمل عدم إفادته إذا ظهر له فائدة أخرى، وهنا لم تظهر، وأشار إلى الثاني بقوله (ولقول النحاة (٣): إنما لإثبات ما يذكر بعده ونفي ما سواه) أي: مما يقابله؛ إذ لا يخفي أن المنفى بعد إنما ليس جميع ما سوى المذكور، ولو قالوا: ونفى ما يقابله لكان واضحا، وأظن أن


(١) البقرة: ١٧٣.
(٢) هى قراءة «إن ما حرم عليكم الميتة» وعليها يتعين أن تكون «ما» موصولة اسم إن، أي إن الذي حرم عليكم الميتة، وهى جملة معرفة الطرفين فتفيد القصر كما مر في الجزء الأول في نحو «المنطلق زيد» وهناك قراءة أخرى بالرفع على بناء «حرم» للمفعول، وهى غير مرادة له؛ لأن «ما» فيها يصح أن تكون كافة وأن تكون موصولة، فلا يتم بها الدليل الذي يريده.
(٣) أي الذين أخذوا اللغة من كلام العرب مشافهة، وبهذا يحتج بقولهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>