ما كان أحلى أيامي في العراق، وسلام مني لا ينقضي على إخواني وتلاميذي في العراق.
وصرفتني موجة إلى لبنان، فعملت في بيروت سنة ١٩٣٧ وصار من تلاميذي فيها أساتذة في الجامعة، وناس من كبار الناشرين وأصحاب المجلات، وصار منهم رئيس القضاء الشرعي، ومنهم الشاب العالم الصالح الذي سرّني وفرّح قلبي أن سمعت من أيام نبأ انتخابه بالإجماع مفتياً للبنان (١).
وموجة أخرى حولتني إلى القضاء، وما كنت أظن يوماً أن سَأَلي القضاء. ثم عدت بعد أكثر من ربع قرن في القضاء أمضيت نصفه في محكمة النقض، عدت بعد التقاعد مدرِّساً في مكة المكرمة بجوار حرم الله.
* * *
جرَّني إلى هذا الكلام كله موضوعُ الإنشاء. فليفكر إخواننا المعلمون حين يلقون هذا السؤال فيما كانوا يجيبون عليه وهم طلاب؛ هل كانوا يريدون أن يكونوا معلمين؟ أم كانت لهم غايات طالما تطلعوا إليها وحاولوا بلوغها، وأحلام كبار طالما كانوا
(١) قال جدي في حاشية وضعها هنا: "هو الشيخ حسن خالد". قلت: بقي مفتياً للجمهورية اللبنانية منذ كتابة هذا المقال وحتى استشهاده عام ١٩٨٩، وما زلت أذكر مبلغ حزن جدي عليه وأسفه على مقتله -وقد اغتيل في تلك الحرب الهوجاء التي عصفت بلبنان سنين- وما ذكره إلا بخير، رحمة الله على الجميع (مجاهد).