للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي أبو بكر بن العربي: شذ بعض القدرية فقال: الرؤيا لا حقيقة لها أصلًا، وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقيةً. وقال بعض المتكلمين: هي مُدْرَكةً بعينين في القلب. ثم قال: فالذي قاله عياض توسُّطٌ حسن، ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازريّ، بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة، لكن إذا كان على صورته، كان ما يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، وإذا كان على غير صورته، كان النقص من جهة الرائي، لتخيله الصفة على غير ما هي عليه، ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير. وجرى على ذلك علماء التعبير، فقالوا: إذا قال الجاهل: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يُسأل عن صفته، فإن وافق الصفة المروية، وإلا فلا يقبل منه.

وأشاروا إلى ما إذا رآه على هيئة تخالف هيئته، مع أن الصورة كما هي، فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر: من رأى نبيًا على حاله وهيئته، فذلك دليل على صلاح الرائي، وكمال جاهه، وظفره بمن عاداه، وإنْ رآه متغير الحال عابسًا مثلاً، فذلك دليل على سوء حال الرائي. ونحا ابن أبي جمرة إلى ما اختاره النووي، فقال بعد أن حكى الخلاف: ومنهم من قال: إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلًا، فمن رآه في صورة حسنة، فذلك حُسْن في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شَيْنٌ أو نقص، فذاك خلل في الرائي من جهة الدين. قال: وهذا هو الحق. وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب، وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه، حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أو لا, لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم، نُورانّي مثل المرآة الصقيلة، ما كان في الناظر إليها من حسن وغيره تصوَّرَ فيها، وهي في ذاتها على أحسن حال، لا نقص فيها ولا شين.

وكذلك يقال في كلامه، عليه الصلاة والسلام، في النوم، أنه يعرض على السنة، فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي. فرؤيا الذات الكريمة حق، والخلل إنما هو في سمع الرائي أو بصره. قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>