للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا خير ما سمعته في ذلك. ثم حكى القاضي عياض عن بعضهم قال: خص الله نبيه بعموم رؤياه كلها، ومنع الشيطان أن يتصور في صورته، لئلا يتذرع بالكذب على لسانه في النوم، ولما خرق الله العادة للأنبياء، للدلالة على صحة حالهم في اليقظة، واستحال تصوُّر الشيطان على صورته في اليقظة، ولا على صفة مضادة لحاله، إذ لو كان ذلك لدخل اللَّبْسُ بين الحق والباطل، ولم يوثق بما جاء من جهة النبوة، حمى الله حماها لذلك من الشيطان، وتصوره وإِلقائه وكيده، وكذلك حمى رؤياهم أنفسهم، ورؤيا غير النبي للنبي عن تمثيل بذلك، لتصح رؤياه في الوجهين، ويكون طريقًا إلى علم صحيح لا ريب فيه.

وقال الغزالي: ليس معنى قوله "رآني" أنّه رأى جسمي وبدني، وإنما المراد أنه رأى مثالًا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك قوله "فسيراني" في اليقظة، ليس المراد أنه يرى جسمي ويدني. قال: والآلة تارة تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية، والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى، ولا شخصه، بل هو مثال له، قال: ومثال ذلك من يرى الله سبحانه وتعالى، في المنام: فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك حقًا في كونه واسطة في التعريف، فيقول الرائي: رأيت الله تعالى في المنام، لا يعني أني رأيت ذات الله تعالى، كما يقول في حق غيره.

وقال أبو القاسم القُشَيْرِيّ ما حاصله أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم أن لا يكون هو، فإنه لو رأى الله تعالى على وصف يتعالى عنه، وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك، لا يقدح في رؤيته، بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل، كما قال الواسطيّ "من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة إلى وقار الرائي" وغير ذلك. وقال الطِّيبيّ: المعنى من رأني في المنام بأي صفة كانت، فليستبشر، ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>