للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبشرة, لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي.

وقوله "فسيراني" معناه فسيرى تفسير ما رأى, لأنه حق وغيب أُلقي فيه. وأما قوله "فكأنما رأني" فهو تشبيه، ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في النوم، فيكون الأول حقًا وحقيقة، والثاني حقًا وتمثيلًا. قال ابن العربي: وهذا كله إذا رآه على صورته، فإن رآه على خلاف صفته، فهي أمثال، فإن رآه مقبلًا عليه مثلًا، فهو خير للرائي وفيه، وعلى العكس فبالعكس.

وقوله "فقد رأى الحق" قال الطيْبيّ: أي رؤية الحق لا الباطل، وكذا قوله "فقد رآني" فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دلّا على الغاية في الكمال، أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء. وقال القرطبي: اختلف في معنى الحديث، فقال قوم: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته، كما رآه في اليقظة، سواء. قال: وهذا قول يدْرَك فسادهُ بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده، فلا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر، ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مَسْكةٍ من عقل.

وقالت طائفة: معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها، ويلزم منه أنّ من رآه على غير صفته أن تكون رؤياه من الأضغاث. ومن المعلوم أنه يُرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به، وتقع تلك الرؤيا حقًا كما لو رئي ملأ دارًا بجسمه مثلًا، فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير، ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه، لعارض عموم قوله "فإن الشيطان لا يتمثل بي" فالأَوْلى أن تُنَزَّه

<<  <  ج: ص:  >  >>