يضيف بلا شك، إلى ما اكتفى المفسرون به في آية العاديات، من معنى البخل والإمساك وعدم الإنبساط، إيحاء بالزجر والوعيد، مع ما سبق الآية من شهادة الإنسان على نفسه بالكنود لربه.
كما أنه يقوى بالآيات بعده.
* * *
{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} .
بما فيها من نذير صادع وزجر رادع.
والبعثرة لم تأت في القرآن إلا في هذه الآية وفي آية الإنفطار:
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} .
وكلتاهما في بعثرة القبور يوم القيامة، وفيهما جاء الفعل مبنياً للمجهول، صرفاً للذهن إلى الحدث نفسه، وتركيزاً للإنتباه فيه. وفيهما أيضاً، انتقال سريع من بعثرة ما في القبور إلى الحساب العسير يحصل ما في الصدور وتعلم بع كل نفس ما قدمت وأخرت.
والبعثرة لغة، فيها معنى التبديد والتفريق والإختلاط، وقلب بعض الشيء على بعض. وقالوا: بعثر الحوض، هدمه وجعل أسفله أعلاه. ود يلحظ فيها معنى التفتيش والكشف، فيقال: بعثر الشيء، استخرجه فيكشفه وأثار ما فيه. كما استعملت البعثرة في قلق الجوف وغثيان النفس.
والمتبادر من مفهوم {بعثر} في آيتي العايات والإنفطار، هو التشتت والتفرق والإنتثار، وما يكون عنها من حيرة وضلال وإختلاط وإرتباك "يوم يكون الناس كالفراش المبثوث" ولكن اللفظ كذلك مع التفريق الإختلاط بما في الأصل اللغوي، من دلالة الإثارة والكشف، فيمهد لما بعده:
{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}
وقد جيء به فور البعثرة، مبنياً للمجهول كذلك، صرفاً عن كل ما عدا الحدث نفسه، على المألوف من آيات القيامة.
ولم تأت مادة "حصل" إلا في آية العاديات:
والتحصيل لغة: الجمع والتمييز. وأصله من الحوصل والحوصلة والحوصلاء،