ومن المعاني الحسية للخبر في اللغة: منقع الماء في أصوله بالجبل، والصرف الجيد من أول الجز، وأختبرت الشيء أو الشخص. فحصته وأمتحنته لتعرف حقيقة أمره.
وإيثار لفظ {خَبِير} هنا، بعد أن {حُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} ، مع تأكيده باللام وإن في أول الآية، يبلغ به الترهيب منتهاه، ثم يدع للخاطر بعد ذاك أن يتصور ما شاء، في ذلك الجو الحافل بالنذير والوعيد.
* * *
وهذه الوقفة الحاسمة، يبلغ بها القرآن ذروة المشهد العنيف لبعثرة ما في القبور وتحصيل ما في الصدور، تتسق مع مشهد الإغارة العنيفة في مستهل السورة، على وجه باهر من البيان المعجز. ولا أعرف أن أحداً من المفسرين حاول أن يربط بين المشهدين أو لمح ما بينهما من صلة هي معقد القسم ومجلى دقته البيانية.
فالسورة، كمت قلنا آنفناً تبدأ بواو لبقسم لافته في قوة إلى المشهد المألوف، لإغارة عنيفة مفاجئة، تبغت القوم صبحاً فلا ينتبهون إلا وقد توسطت جمعهم ومزقت شملهم وبعثرتهم وسط النقع المثار.
ويتمثل القوم ما عهدوا من مثل هذه الغارات المصحبة المباغتة، وما يعقبها من بعثرة وحيرة وإرتباك، توطئة بيانية لمشهد غيب لم يقع يستطيعون أن يدركوا صورة منه في ذلك الذي ألفوه وعاينوه......
ذلك هو مشهد البعث، يباغت القوم - وقد طال ما جحدوا نعمة الله وغرتهم الأماني - فإذا هم بعثروا من القبور حيارى ممزقين، وصدروا أشتاتاً مفرقين، ثم إذا بالأحداث تتلاحق سراعاً، مترابطة متدافعة، فليس بين بعثرة ما في القبور، وهول الموقف بين يدى الخبير، إلا أن يحصل ما في الصدور، لا تفلت منه خافية مضمرة، ولا غاتئبة مطوية مستورة في الأعماق، كما ليس بين العاديات ضبحاً، وتوسط الجمع، وتدبير الأمر، إلا أن تنطلق في إغارتها صبحاً، موريات قدحاً، مثيرات نقعاً!