وتستهل السورة بالقسم بالواو، والرأي السائد عند الأقدمين، أن هذا القسم القرآني يحمل معنى التعظيم للمقسم به، قال إبن قيم الجوزية:
(وإقسامه - تعالى - ببعض مخلوقاته، دليل على أنها من عظيم آياته".
وسادت هذه الفكرة، فألجأتهم إلى اعتساف في بيان وجه التعظيم في كل ما أقسم به القرآن الكريم بالواو:
ففي القسم بالليل مثلاً، قد يبدو وجه الإعظام إذا لحظوا فيه الحكمة الإلهية من خلق الليل وجعله لباساً وسكناً، ولكنهم لحظوا فيه كذلك - في آية الضحى - معنى الاستيحاش، وأنه وقت الغم، وربما تأولوه بسكون الموت، وظلمة القبور، والغربة، مما لا يظهر فيه معنى الإعظام إلا عن تكليف وقسر، واستكراه.
فالشيخ "محمد عبده" لم يجد صعوبة في بيان وجه العظمة في القسم بالضحى "فالقسم بالضياء للإشارة إلى تعظيم أمر الضياء وإعظام قدر النعمة فيه، وللفت أذهاننا إلى أنه آية من آيات الله الكبرى ونعمة العظمى" لكنه في القسم بالليل، اضطر - تحت سيطرة فكرة التعظيم بالقسم - إلى التماس وجه الإعظام فيه، في قسر يكفي لبيانه أن يرى في الليل أشبه بالجلال الإلهي. قال رحمه الله: "أما القسم بالليل فلأنه أمر يهولك ويدخل عليك من إنقباض النفس عن الحركة واضطرارها للوقوف عن الغمل وركونها إلى السكون ما لا تجد عنه مفراً، فهذا سلطان من الخوف مبهم، لا تحيط بأسبابه ولا بتفصيل أطواره، فهو أشبه بالجلال الإلهي يأخذك من جميع أطرافك وأنت لا تدري من أين يأخذك، وهو مظهر من مظاهره، ثم في هذا السكون من راحو الجسم والعقل وتعويض ما فقداه بالتعب بياض النهار، ما لا تحصى فوائده"