"لا" مع الفعل الماضي حتى تعيد، كقوله تعالى:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} لكنها في آية البلد، دخلت على الماضي دون تكرار، ومن ثم احتالوا للتوفيق بينها وبين القاعدة الإعرابية.
فقال الزمخشري: هي متكررة في المعنى، على تقدير: فلا اقتحم العقبة ولا آمن....
وعند الزجاج أن قوله تعالى:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} يدل على معنى: فلا اقتحم العقبة، ولا آمن.
وأنكر الشيخ محمد عبده هذه التأويلات، إذ لا وجه عنده للالتفات إلى القول بمخالفة القاعدة "لأن القرآن حجة في الفصاحة، وقد ورد في كلامهم عدم تكرارها".
على أن هناك قولا آخر في توجيه "فلا" في الآية، وهو أن تكون استفهامية. وقريب منه القول بأن (لا) في الآية من: (ألا) التي للتحضيض. ورده قوم منهم الشيخ محمد عبده - بأنه لم يعرف تخفيف ألا التخضيضية. وليست أدرى لم جاز عند الشيخ أن يلتفت هنا إلى هذه المخالفة للمعروف من قواعدهم، وقد أخذ عليهم الالتفات إلى مخالفة القاعدة في عدم تكرار لا النافية مع الماضي، لأن القرآن نفسه حجة في الفصاحة؟
والذي نطمئن إليه في: أنها على أي الوجهين حملناها، تشعر بالإنكار والتأنيب والحض. والمعنى بالنفي والاستفهام متقارب، فاختيار "لا" في موضع الاستفهام، صريح في نفي اقتحام العقبة عن هذا الإنسان المغتر بقوله وماله، وقد خلقه الله في كبد وهداه النجدين. واللغة حين تستعمل ألا وهلا في الاستفهام، فذلك إنما يكون في مقام التخضيض والتأنيب عن انتقاء الفعل، فلست تقول لأحد "هلا صنعت كذا" إلا وهو لم يصنعه.
فمعنى التأنيب والحض صريح في {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} مع تقرير النفي بها لا ينفك عنها. والفاء هنا، للربط والترتيب: خلق الإنسان مهيئاً لمكابدة المسئولية، وأعطى زسائل التمييز والإدراك، ليقاوم الشر والضلال، ويسلك طريق الصلاح على