وقد كانت كلمة الوحي الأولى "اقرأ" لافته إلى آية الله الكبرى، في الإنسان الذي خلقه سبحانه من علق، وعلم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم.
وبعدها نزلت سورة القلم مبتدأة بحرف (ن) لافته إلى سر الحرف الذي هو مناط القراءة والعلم والبيان، تنطق به منفرداً منقطعاً فلا يعطي أي معنى أو دلالة، بل لا يكاد يخرج عن مجرد صوت، ثم يأخذ الحرف موضعه من الكلمة في البيان، فيتجلى سره الأكبر.
* * *
{وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} .
قال الإمام الطبري إن القلم معروف "غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام، القلم الذي خلقه تعالى فأمره بكتابه ما هو كائن إلى يوم القيامة".
وأطال "ابن قيم الجوزية" في شرح فوائد القلم وبيان عظمته، قال:"فأقسم بالكتاب - ن - وبالقلم الذي هو إحدى آياته وأول مخلوقاته الذي جرى به قدره وشرعه وكتب به الوحي وقيد به الدين واثبت به الشريعة وحفظ بها العلم وقامت مصالح العباد في المعاش والمعاد".
ثم عقد فصلاً في مراتب الأقلام فجعلها اثنى عشر قلماً، أعلاها وأجلها قدراً قلم القدر السابق. وقد أقسم به إعظاماً له.
ويوجه هذا إلى تأويلهم {وَمَا يَسْطُرُونَ} بأن الضمير في الفعل للحفظة من الملائكة الذين يكتبون بأمر الله أقدار الخلائق وأعمالهم في اللوح المحفوظ.
وفيه قول آخر، هو أنه القلم المألوف المعتاد الذي يسطر به الناس كتاباتهم ووجه إعظامه بالقسم، أن الله تعالى هو {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .
والذي نطمئن إليه - والله أعلم - هو أن تكون الواو هنا قد خرجت عن معناها