كما نقل ما ذكرنا من تأويل الطبري، وصرح بأن هذا الوجه من التأويل أوفق لقوله.
ونرى أن قصر معنى الآية في تفسير الزمخشري على "ثواب الدارين" يمنعه العموم المستفاد من صريح السياق في البشرى والنذير معاً.
ودون خوض في مشكلة الجبر والاختيار، نطمئن في الآية إلى أن الله سبحانه إليه المصير كما له المبتدأ. وهو تعالى يهيئ لخلقه في الدنيا طريق الحق والهدى، وبقدر ما يستجيبون لداعى الهدى أو يصدون عنه، تكون النهاية والمصير إلى الخالق في الآخرة.
ونلتفت إلى ملحظ بياني في الآية، هو العدول عما هم مألوف من تقديم الأولى على الآخرة. وليس التعلق برعاية الفاصلة هو الذي اقتضى تقديم الآخرة هنا على الأولى، وإنما اقتضاه المعنى في سياق البشرى والنذير، إذ الآخرة خير وأبقى وعذابها أكبر وأشد وأخزى وأبقى، وأن الآخرة هي دار القرار.
وكذلك قدمت الآخرة على الأولى في سياق البشرى للمصطفى عليه الصلاة والسلام، بآية الضحى:
{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} .
كا قدمت الآخرة على الأولى في سياق الوعيد لفرعون إذ أدبر وتولى:{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} بآية النازعات.
* * *
وفي مثل هذا السياق من الوعيد، تتقدم الآخرة على الأولى في آية الليل، متلوة بهذا النذير:
{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} .
واللظى في العربية اللهب الخالص، والتلظى تسعر النار واحتدام توقدها.
وفي الاستعمال القرآني جاءت "لظى" للجحيم في آية المعارج ١٥: