ولمح "الفخر الرازي" ما في النبذ من إهانة.
والإهانة أصلية في دلالة النبذ لغة، والبيان القرآني يجلوها على هذا النحو الباهر حين يزجر بها ذلك المتفاخر المتعالي المغرور بماله يحسب لأنه أخلده، وإنما ينتظره خلود آخر مهين أليم، منبوذاً في الحطمة.
وأصل الحطم في العربية: التهشيم مع اختصاص بما هو يابس كالعظام، وقيل الحطوم للأسد يحطم كل شيء ويهشمه، وللريح تقوض البناء. والحاطوم والحطمة السنة المشئومة. ورجل حطم يلتهم كل شيء ولا يشبع. وراع حطمة وحطم، كأنه يحطم الماشية عن سوقها، لعنفه.
وهذا الملحظ الأصيل من التهشيم مع العنف والقسوة، لا تخطئه في الاستعمال القرآني للمادة، في المواضع الستة التي جاءت فيها:
وبصيغة الفعل المضارع في آية النمل ١٨:
{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .
ولنا أنت نتصور وطأة الحطم من سليمان وجنوده، للنمل مع ضآلة جرمه ووهن قواه.
وثلاث مرات بصيغة حطام في آيتى (الزمر ٢١، والحديد ٢٠) للرزع المصفر اليبيس المهشم، تمثيلاً لحطام الدنيا {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ومعهما آية الواقعة ٦٥.
ومرتان بصيغة حطمة التي انفردت بها آيتا الهمزة.
قالوا في تفسيرها: هي اسم من اسماء النار، وهي الدركة الثانية من ردكاتها.
وفي الطبري عن "مقاتل": تحطم العظام وتأكل اللحم حتى تهجم على القلوب.
ورووا فيه حديثاً: "إن الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه كما توضع الخشبة على الركبة فتكسر. ثم يرمى به إلى النار".
وأخذه الزمخشري في (الكشاف) من معنى النار تحطم كل ما يلقى فيها كالرجل الأكول الحطمة.