جماعة - منهم الزمخشري والفخر الرازي وتابعهما الشيخ محمد عبده - فذكورا في التحدث بنعمة الله "أنه إنما يحسن حين لا يكون ذلك عن رياء أو تشبه بأهل السمعة".
وهو احتياط في غير موضعه، فماذا كان يظن به - صلى الله عليه وسلم - أن يقول في التحدث بنعمة الله مما يشتبه بالرياء والسمعة؟ ومن أي السبل يمكن أن نتصور احتمال الرياء والتشبه بأهل السمعة، ممن اصطفاه الله تعالى خاتماً للنبين، وقال فيه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ؟
وحمل التحدث هنا على الشكر، إذا سمح به الاستعمال اللغوي، فإن السياق لا يعين عليه، وإنما التحدث هنا، هو صريح ما تعلق به مما يتصل بمهمة الرسول التي اصطُفى لها، وهو أن يبلغ رسالة ربه. ومن هنا نؤثر أن تكون النعمة هنا، مهما يكن من دلالاتها المعجمية اللغوية، هي الرسالة، أكبر النعم التي يؤثر بها نبي مرسل.
وقد التفت "الرازي" إلى ملحظ، يتصل بترتيب الآيات الثلاث الأخيرة في السورة، ولكن على غير الوجه الذي ذكره الشيخ محمد عبده فيما نقلنا له من قول.
ففي الآيات الثلاث، قدم الله النهي عن قهر اليتيم، ونهر السائل، على التحدث بنعمته تعالى، ويقول الرازي في ذلك "إن الله أخر حق نفسه وهو الشكر، وقدم حق اليتيم والسائل، لأنه غني وهما محتاجان، وتقديم حق المحتاج أولى"، كما لحظ اعتباراً آخر، وهو:"أنه تعالى وضع في حظهما الفعل، ورضى لنفسه بالقول" يعني التحدث بنعمته.
ولا بأس بالملحظين كليهما. وقد نرى في ترتيب الآيات، أنع تعالى، نبه رسوله الكريم إلى أن إصلاح الجماعة، يأنى في المنزلة الأولى من الإعتبار والتقدير، حين أجمل له في هذه الآيات الكريمة من مهمة رسالته: أن تدفع ذل الفاقدين، وقهر اليتامى، وحيرة السائلين، ففي رسالة إصلاح وهداية أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتحدث بها وتبليغها "فهل عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ"؟