ويتعين أن نصل الآية {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} بسياق الآيات قبلها، بحكم وجود "الفاء" الرابطة للآية بما قبلها.
الآية مسبوقة بتأكيد اليقين بأن هذا العسر يصحبه يسر لا محالة، والله منجز وعده لا ريب، وسيعقب هذا ما يعقبه من فراغ البال من الحيرة والضيق والكرب والضنك، بعد إذ من الله على عبده بأن شرح له صدره ووضع عنه وزره الذي أنقض ظهره، ورفع له ذكره.
فإذا لم يكن بد من تحديد متعلق الفراغ، فلسنا بحيث نطمئن إلى شيء فيه، غير ما سبقت به الآيات المحكمات: وهو أنه سبحانه قد أفرغ بال رسولع مما كان يجهده من حيرة ويثقله من وزر ينقض الظهر...... هو فراغ اليسر بعد العسر، والراحة النفسية بعد الشدة والكرب، فلينصب المصطفى لتكاليف رسالته وأعباء منصبه، بلاغاً لرساله ربه، وجهاداً في سبيلها.
* * *
{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} .
الرغب الميل والإرادة، يقال رغبت في الشيء إذا أردته وملت إليه، ورغبت عنه إذا لم ترده وزهدت فيه.
وربما كانت "السعة" أصلاً في المادة، كما قال "الراغب". فالحوض الرغيب: الواسع، والسقاء الرغيب كذلك، وفرس رغيب العدو أي واسع الخطو في عدوه، والرغب والرغبى السعة في الإرادة، والرغبة والرغيبة العطاء الواسع الكثير. ومن ملحظ الميل إلى ما هو واسع ورحب، في الحوض وعدو الفرس والعطاء، أضيف إلى السعة معنى الميل والإرادة، فكانت الرغبة في الشيء الميل إليه وإرادته، والرغبة عنه الإنصراف عنه والزهد فيه. وقد تزداد الرغبة فتطلق على الشره، ومنه قولهم "الرغب شؤم" يعنون الشره.
وفي الاستعمال القرآني، تأتي الرغبة في السياق الديني في مثل آيات: