للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البطر وأكثر ما يكثر ذلك في الأحداث والصبيان بقدر ما يغلب عليهم من الغفلة، وقد ذمه اللَّه تعالى بقوله: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦)

وقال تعالى: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥)

وقال تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣)

وقد يسمى الفرح سرورا والسرور فرحًا لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق ويتصور أحدهما بصورة الآخر، ولذلك قيل: من طلب السرور بالخارجات عنه لم ينله.

[العذر والتوبة]

المذنب إذا عوتب أو خاف العتب لا ينفك عن أحد وجهين: إما أن يكون مصرًّا أو معتذرًا، فأما المصر: فقد يُستحسن في بعض الأحوال التجافي عنه، وقد سمع رجل حكيمًا وهو يقول: ذنب الإصرار أولى بالاغتفار، فقال: صدق ليس فضل من عفا عن السهو القليل كفضل من عفا عن العمد الجليل، وأما المعتذر: فهو المظهر لما يمحو به الذنب.

وجميع المعاذير لا تنفك عن ثلاتة أوجه:

إما أن يقول، لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا فيبين ما يخرجه عن كونه ذنبًا أو يقول: فعلت ولا أعود، فمن أنكر

وأنبأ عن كذب ما نسب إليه فقد برئت ساحته، وإن فعل وجحد فقد يعد التغابي عنه كرمًا وإيَّاه قصد الشاعر بقوله:

تغابي وما بك من غفلة ... لفرط الحياء وفضل الكرم

ومن أقر فقد استوجب العفو لحسن ظنه بك، قال بعض الحكماء: تجاوز عن مذنب لم يسلك بالإقرار طريقًا حتى أخذ من رجائك رفيقًا، وإن قال: فعلت ولا أعود فهذا هو التوبة وحق الإنسان أن يقتدي باللَّه تعالى في قبولها، وللتوبة شرائط فرضًا ونفلًا،

ففرضها ترك الذنب مع ترك العود إليه، ونفلها التأسف لما سلف من الذنب والاستغفار له وترك بعض المباحات مقابلة لما كان من العصيان.

واعلم أن للمذنب التائب إذا تاب توبة نصوحًا فضيلة على من لم يذنب من ثلاثة أوجه:

الأول: أنه قد جرب العيوب وعرف مداخل الشيطان على الإنسان فيكون أهدى إلى الاحتراز من الشر، وقد قيل لحكيم: فلان لا يعرف الشر، فقال: ذالك أجدر أن يقع فيه.

والثاني: أن المذنب التائب محتشم قد غلب الخوف على قلبه فيأتي باب مولاه، وهو خزيان منكسر، ومن لم يذنب ربما يعجب بنفسه ويذل بعفته وليس خدمة عبد قد عصى

<<  <   >  >>