من حببه اللَّه إلى الناس فقد أنعم عليه نعمة وسيعة كما أن من بغَّضه إليهم فقد جعل له نقمة فظيعة، والسبب فيمن يكون محببًا أن من رعاه اللَّه تعالى فصفى جوهره، وأطاب روحه، وحسن عمله حصل له نور يسري في مشاعر من يراه فيحبه، وإياه قصد تعالى بقوله لموسى - صلى الله عليه وسلم -: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أحب اللَّه عبدًا ألقى محبته على الماء فلا يشربه عبد إلَا أحبه، وإذا أبغض عبدًا ألقى بغضه في الماء فلا يشربه عبد إلَّا أبغضه "، ولما ألقى اللَّه تعالى على نبينا - صلى الله عليه وسلم - من المحبة قلما كان يأتيه من ييغضه فيهم بقلبه إلَّا إذا رآه وقلب في آفاق وجهه طرفه، وألقى إلى كلامه سمعه أعجب به ففارقه على جميل.
[الحث على مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار]
حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار؛ فإنها قد تجعل الشرير خيرًا، كما أن مصاحبة الأشرار قد تجعل الخيِّرَ شريرًا، قال بعض الحكماء: من صحب خيرًا أصابته بركته فجليس أولياء الله لا يشقى ولو كان كلبًا ككلب أهل الكهف؛ فإن الله تعالى ذكره في كتابه العزيز فقال:(وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)
ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه:" لا تصحب الفاجر فيزين لك فعله ويود لو أنك مثله ".
وقد قيل: جالسوا من تذكركم اللَّهَ رؤيتُه ويزيد في خيركم نطقه، وقد قيل: إياك ومجالسة الأشرار فإن الطبع يسرق من الطبع وأنت لا تدري، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مثل الجليس الصالح كمثل الداري إن لم يجذك من عطره علقك من طيب ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل القين إن لم يحرقك بشرره علقك من نتن دخانه "،