للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عمله". رواه البخاري. وروى الحاكم: "الأخلاء ثلاثة. فأما خليل فيقول: أنا معك حتى تأتي قبرك، وهو الأهل والأصدقاء، وأما خليل فيقول: كنت لك، واليوم لست لك، فذلك المال، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت، وحيث خرجت، فذلك العمل".

فضل النفقة من الكسب الطيب

في الحديث (٢٩)، (٣٠)، (٣١) تقييد قبول الصدقة بكونها من الكسب الطيب، وألفاظها: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كان تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: ٥١]. وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: ١٧٢]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء .. يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك

والمحقق المدقق في الآيات والأحاديث يجد الكلام في نقطتين: الأولى زيادة الثواب وتكثيره للنفقة من الكسب الطيب الحلال، ولا خلاف في هذا، فالصدقة من الكسب الطيب سبب لتكثير الأجر.

النقطة الثانية: قبول الصدقة من الكسب غير الطيب وعدم قبولها، وعبارة: "ولا يقبل الله إلا الطيب" صريحة في عدم القبول. وفي توجيهها يقول القرطبي: إنما لم يقبل الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق، والمتصدق ممنوع من التصرف فيه، والتصدق به تصرف فيه، فلو قبل لزم كون الشيء الواحد مأذوناً فيه منهياً عنه من وجه واحد. انتهى بتصرف.

وهكذا يطلق العلماء الأوائل القول بعدم قبول الصدقة من كسب حرام، وهم بذلك يهدفون إلى إغلاق باب الكسب الحرام وسد الذرائع، وهو هدف حسن محمود، ولا نقاش فيه، فمن أراد أن يرابي ليتصدق بالزيادة قلنا له: لا. وحين قالوا: زنت وتصدقت؟ قلنا: ليتها لم تزن ولم تتصدق.

لكن البحث الذي ألجأتنا إليه ظروف الحياة المعاصرة، والتي نعيش فيها صحوة إسلامية بعد سبات عميق، ونعيش وعياً دينيا وحرصاً على الالتزام، بعد جهل مظلم واستهتار مقيت هو أننا وجدنا أموال المسلمين تكدست في البنوك ثمرة لمعاملات ربوية مع اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، ووجدنا ثروة جمعتها راقصات يتجهن إلى التوبة، ويرغبن في تصفية ما يمكن من حقوق، ويحرصن على أن ينخلعن من ثياب الفسق والفجور، وينسلخن من جلود الفساد. ما هو التصرف المشروع في هذه الأموال؟ . هل نقول للأولين: دعوا الزيادات المالية لأعداء الإسلام، يتسلحون بها ليحاربوكم، ولكم رءوس أموالكم؟ ولا تأخذوها فتعطوها لفقراء المسلمين، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؟ وهل نقول للأخريات ابحثن عمن راقصتن، وعمن استأجركن، وارددن إليه ماله؟ لو قلنا لهن ذلك؛ لرفضن

<<  <  ج: ص:  >  >>