الثواب، فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء، بل قد يكون ثواب هذا أكثر، وقد يكون العكس، فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق الصدقة على باب داره أو نحوه فأجر المالك أكثر وإن أعطاه رمانة أو رغيفاً ونحوهما مما ليس له كثير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة، بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرمانة والرغيف فأجر الوكيل أكثر، وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلاً فيكون مقدار الأجر سواء. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم:"الأجر بينكما نصفان" معناه قسمان وإن كان أحدهما أكثر، كما قال الشاعر:
إذا مت كان الناس نصفين بيننا
قال النووي: وأشار القاضي إلى أنه يحتمل أيضاً أن يكون الطرفان سواء لأن الأجر فضل من الله تعالى، يؤتيه من يشاء، ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال. اهـ قال النووي: والمختار الأول. اهـ.
والحق أن مقدار الثواب يخضع -بالإضافة إلى أنها فضل- لعوامل أخرى كثيرة كالإخلاص والاحتساب وطيب النفس وغيرها، وذلك على كل حال يبعد المناصفة والمساواة.
قال النووي: وقوله: "الأجر بينكما" ليس معناه أن الأجر الذي لأحدهما يزدحمان فيه، بل معناه أن هذه النفقة والصدقة التي أخرجها الخازن أو المرأة أو المملوك أو نحوهم بإذن المالك يترتب على جملتها ثواب على قدر المال والعمل فيكون ذلك مقسوماً بينهما، لهذا نصيب بماله، ولهذا نصيب بعمله، فلا يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله، ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله. اهـ.
وفي هذا الكلام نظر، لأن أجر الصدقة غير أجر الكسب، وإذا كان للصدقة أجر مرتبط بكسب المال والعمل كان العامل في أخذه نصيبه من هذا الأجر مزاحماً للمالك ثم إنه بهذا التقسيم لا يكون هناك فضل. ويستبعد معه قوله:"من غير أن ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً" ويصبح لاغياً لا فائدة منه إذ لا يتصور أن يشارك المناول في أجر الكسب.
والذي أستريح إليه أن أجر الصدقة كاملاً يمنح للمالك، وذلك للفرق بين مال تصدق به، ومال لم يتصدق به، ويتفضل الله بأجر جديد من عنده للزوجة أو الخازن، تماماً كما قيل في حديث:"من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء" وكأن الله ضاعف الأجر من عنده فضلاً وكرماً، ثم جعل هذا الأجر المضاعف بينهما، فلا مزاحمة في أجر كل منهما. وبهذا الفهم تسخو نفس المالك بإنفاق الزوجة والخازن ويرضى ويسعد، وإن كان بغير علمه، كما إذا زرع الزارع زرعاً فأكل منه دون علمه إنسان أو طير أو بهيمة، فإن له في ذلك أجراً، وبهذا الفهم تحرص الزوجة والخازن على الإنفاق ما داما ينتفعان وينفعان ولا يضران. والله أعلم.
ثم قال النووي: واعلم أنه لا بد للعامل، وهو الخازن، وللزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن إذن أصلاً فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة، بل عليهم وزر، بتصرفهم في مال غيرهم بغير