إذنه، والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من إطراد العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت به العادة، وإطرد العرف فيه، وعلم بالعرف رضا الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم، وهذا إذا علم رضاه لإطراد العرف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإن اضطرب العرف، وشك في رضاه، أو كان شخصا يشح بذلك، وعلم من حاله ذلك، أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه.
قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له"، فمعناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن الذي قد أولناه سابقاً إما بالتصريح وإما بالعرف -ولا بد من هذا التأويل- لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها، بل عليها وزر، فتعين تأويله.
ثم قال: واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير، يعلم رضا المالك به في العادة، فإن زاد على المتعارف لم يجز، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة" فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قد يعلم رضا الزوج به في العادة، ونبه بالطعام أيضاً على ذلك لأنه يسمح به في العادة، بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس، وفي كثير من الأحوال.
ثم قال: واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وابن سبيل ونحوهما، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: قال ابن العربي: اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه، لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له، ولا يظهر به النقصان، ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج، ولو بطريق الإجمال، ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه، ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب المال بالإنفاق على الفقراء بغير إذن، ومنهم من فرق بين المرأة والخادم، فقال: المرأة لها حق في مال الزوج، ولها حق في النظر في مصالح بيتها، فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه، فيشترط الإذن فيه. وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت. اهـ.
والذي تستريح إليه النفس أن مدار الجواز وعدم الجواز الإفساد وعدم الإفساد، ولست أرى أن السعي لتحقيق نفع دائم أخروي بديلاً عن نفع زائل دنيوي، لست أرى في هذا إفساداً، مادام في الحدود المسموح بها عرفا، ولا يشترط الإذن ولا الرضا، فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوج أبي سفيان أن تأخذ لها ولبنيها من مال أبي سفيان بالمعروف بدون إذنه