وبدون علمه وبدون رضاه. وهل إذا أجرينا عملية جراحية لإنسان بدون علمه أو بدون رضاه، وفيها صحته وصالحه يكون هذا من الإفساد؟ أعتقد أن لا.
كل ما في الأمر ألا يترتب على هذا الإحسان ضرر، وظواهر الأحاديث تؤيد ذلك، فالتقييد بغير مفسدة لا معنى له سوى هذا، ولو أننا اشترطنا الإذن المسبق لم يكن فرق بين أجنبي يقوم بذلك وبين زوجة وخادم، والحديث رقم (٤٩) صريح في ثبوت الأجر مع عدم الأمر.
وأصرح منه الحديث رقم (٤٧)، (٤٨) إذ من الواضح من الحديث الأول أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن للعبد أن يتصدق من مال سيده بشيء تجري العادة به من غير إذن سيده، ومن الواضح من الحديث الثاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقر السيد على ضرب عبده على تصدقه، بل عاتب السيد وآخذه بقوله:"لم ضربته"؟ أي ما كان ينبغي أن تضربه، ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوقف الأجر على الأمر والإذن، بل أثبت الأجر للحالة التي لم تسبق الأمر، بل للحالة التي ثبت فيها اعتراض للسيد. وقول الإمام النووي: هذا محمول على أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به، أو محمول على أن عميراً تصدق بشيء يظن أن مولاه يرضى به، ولم يرض به مولاه. هذا الحمل الذي ذهب إليه النووي بعيد عن الظواهر، وفيه شيء من التعسف كما أوضحنا. والله أعلم.
-[ويؤخذ من هذه الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - من الحديث (٤٤) يؤخذ فضل الأمانة.
٢ - وسخاوة النفس.
٣ - وطيب من فعل الخير.
٤ - والإعانة على فعل الخير.
٥ - ومن مجموع الروايات فضل كسب العيش.
٦ - ومن الحديث (٤٩) من النهي عن صيام المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، حق الزوج على الزوجة. قال النووي: هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذا النهي للتحريم، وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور، فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي، فإن قيل: ينبغي أن يجوز لها صيام بغير إذنه، فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك، ويفسد صومها؟ فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة، لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، وقوله صلى الله عليه وسلم:"وزوجها شاهد" أي مقيم في البلد، أما إذا كان مسافراً فلها الصوم، لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه.
٧ - وفي قوله:"ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه" إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالدخول في أملاكهم إلا بإذنهم، وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز. والله أعلم.