ولا يجوز للأب والجد وإن علا أن يعطي زكاته للابن الفقير مهما نزل، ولا يجوز للفروع أن تعطي من زكاتها للأصول الفقراء، لأنه يجب عليهم نفقاتهم.
فالخلاف إذن في الزوجة تعطي زوجها الفقير من زكاتها، وفي الأم تعطي ابنها الفقير من زكاتها مع وجود أبيه.
وظاهر الحديث الحادي عشر الجواز إن حملنا لفظ الصدقة على العموم بما يشمل الزكاة، قال الحافظ ابن حجر: واستدل بهذا الحديث [أي حديث الزيانب المشار إليه] على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد. وأدخلوا الزكاة الواجبة في لفظ الصدقة، بل حملوا الصدقة في الحديث على الواجبة لقولها:"أتجزئ عني"؟ وبه جزم الماوردي، ويؤيده أن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، فلما ذكرت الصدقة، ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب فكأنه قال: تجزئ عنك فرضاً كان أو تطوعاً.
ومنع الآخرون أن تدفع المرأة زكاتها إلى زوجها، لأنها لو أعطتها لزوجها عادت إليها في نفقتها الواجبة لها، فكأنها ما خرجت عنها، ووجهوا الحديث بأن المراد من الصدقة صدقة التطوع، بدليل أنها كانت استجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"يا معشر النساء. تصدقن ولو من حليكن". وهذا التعبير يتجه إلى صدقة التطوع، لا إلى الزكاة الواجبة، وبدليل ما روي من أن امرأة عبد الله بن مسعود هذه كانت امرأة صناع، فكانت تنفق عليه وعلى ولده من صناعتها، فهذا يدل على أن مرادها صدقة التطوع. وبدليل ما جاء في بعض الروايات:"زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم". فذكر الولد دال على أنها صدقة التطوع لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع، كما نقله ابن المنذر وغيره، نعم قال العلماء: إن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة من يلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه، وحمل ابن التيمي قوله:"وولدك" على أن الإضافة للتربية، لا للولادة، فكأنه ولده من غيرها. ومع هذه التأويلات ظواهر الأحاديث تشير إلى أن هذه الحادثة في صدقة التطوع، وليست في الزكاة، وقد جزم بذلك الإمام النووي، أما استدلالهم بقولها:"أتجزئ عني" فقد أولوه على معنى: أتجزئ عني في الوقاية من النار، كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود، وليس المراد أتجزئ عني في فرض الزكاة. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-
١ - من الحديث الرابع فضل الإنفاق على الأهل، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" وذلك في مقابلة الإنفاق في سبيل الله، أو في رقبة، أو على مسكين.
٢ - ومن حديث أبي قلابة فضل الإنفاق على عياله، يعفهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم.
٣ - ومن الحديث الخامس الحث على رعاية الرقيق والخدم، والحفاظ على حقوقهم، وإثم الذي يقصر في ذلك، ويحبس عمن يملك قوته.