العشاء، فأبى الأضياف، فحاولوا معهم، وجادلوهم، فامتنعوا حتى غلبوهم، ففي رواية "قد عرضنا عليهم، فامتنعوا".
(فذهبت أنا فاختبأت) خوفاً من خصام أبي بكر وتعنيفه وتغليظه علي، وفي الرواية السابعة "فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم -أي قبل السؤال عنهم- فقال: أفرغتم من أضيافكم؟ قال: قالوا: لا. والله ما فرغنا. قال: ألم آمر عبد الرحمن؟ قال: وتنحيت عنه، فقال: يا عبد الرحمن: قال: فتنحيت .... " وفي رواية "فعرفت أنه يجد علي -أي يغضب- فلما جاء تغيبت عنه، فقال -أي نادي- يا عبد الرحمن. فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن. فسكت".
(وقال: يا غنثر، فجدع، وسب)"غنثر" بضم الغين وسكون النون وفتح الثاء. هذه هي الرواية المشهورة، وحكي ضم الثاء، وحكى القاضي عياض عن بعض شيوخه فتح الغين مع فتح الثاء، وحكاه الخطابي بلفظ "عنتر" بلفظ اسم الشاعر المشهور، وغنثر قيل: معناه الذباب، سمي بذلك لصوته، فشبهه به، حيث أراد تحقيره وتصغيره، وقيل: معناه الثقيل الوخم، وقيل: الجاهل، وقيل: السفيه، وقيل: اللئيم، ومعنى "جدع" بفتح الجيم وتشديد الدال المفتوحة، أي دعا بجدع الأنف وغيره من الأعضاء، والسب الشتم.
وفي الرواية السابعة "فقال: يا غنثر. أقسمت عليك، إن كنت تسمع صوتي إلا جئت، قال: فجئت، فقلت: والله ما لي ذنب. هؤلاء أضيافك، فسلهم، قد أتيتهم بقراهم، فأبوا أن يطعموا حتى تجيء".
(وقال: كلوا. لا هنيئاً) أي لا أكلتم هنيئاً، وهو دعاء عليهم لما حصل له من الحرج والغيظ، وقيل: خبر، أي لم تهنئوا به أول نضجه، وقيل: إنما خاطب بذلك أهله، لا الأضياف.
(وقال: والله لا أطعمه أبداً) في الرواية السابعة "فقال: ما لكم ألا تقبلون عنا قراكم؟ قال: فقال أبو بكر: فوالله لا أطعمه الليلة. قال: فقالوا: فوالله لا نطعمه، قال: فما رأيت كالشر كالليلة قط إذ قال لهم مغضباً: ويلكم ما لكم أن لا تقبلوا عنا قراكم، قال: فجيء بالطعام، فسمى، فأكل وأكلوا".
(قال: فايم الله. ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها)"إلا ربا" أي إلا زاد، وقوله "من أسفلها" أي من أسفل الموضع الذي أخذت منه، وقوله "أكثر منها" ضبطوه الثاء والباء، و"ايم الله" همزته همزة وصل عند الجمهور، وقيل: يجوز القطع، وهو مبتدأ، خبر محذوف، أي أيم الله قسمي، وأصله "أيمن الله" فالهمزة حينئذ همزة قطع، لكنها لكثرة الاستعمال خففت فوصلت، وحكي فيها لغات: أيمن الله. مثلثة النون. رفعاً ونصباً وجراً، حسب العامل، و"من الله" مختصرة من الأولى، مثلثة النون أيضاً، "وايم الله" كذلك، و"م الله" كذلك، وبكسر الهمزة أيضاً، و"أم الله" قال ابن مالك: وليست "أيمن" جمع "يمين" خلافاً للكوفيين.
(وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك) الضمير في "صارت" للجفنة، أي ما فيها، أو للبقية.