من خُلقَ الضلالُ في قلبِه، وتسميةُ المسمى المخبرُ بذلك على وجهِ التشبيه
بفاعل الضلال في القلوب.
ويمكن أن يكونَ لما كان الحكمُ والتسميةُ للغير بالضلال يضرُّ بالمسمى
ويغمه ويُصوّره عند الناس قبحُ حالِه، كما أن وجودَ الضلال في قلبه يغمه
ويضمرُّه ويُهلكه أجريَ على التسمية لهذه الوصمةِ والمضرة اسمُ ضلالٍ للقلب الذي هو الذهابُ عن الحق.
والضلالُ في الحقيقة، هو ضد الهدى الذي يوجد في محلِّه ويعاقبه.
قال الله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ، وقال: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) .
وأمثال لهذه الآيات فيها تحقيقُ الضلالةِ التي هي ضد الهدى والذهابُ عن الحقّ والصواب.
قال لبيدُ بنُ الربيعة:
مَن هداهُ سُبُلَ الخيرِ اهتدى ... نَعِمَ البالُ ومن شاء أضل
ولم يُردْ بالهدى الذي به ينعَمُ بالُ المهتدي، الحكمَ والتسميةَ ولا
بالضلال، التسميةُ به، بل أراد شرحَ الصدورِ وتضييق القلوب.
فأمَّا الهدى فهو ضدُّ الضلال وهو معرفة القلب بوجوب كل واجبٍ
وتصديقِه بذلك، واعتقادِ الأمورِ على ما هي به، والإخبارُ عن ذلك باللسان
هدىً أيضاً، لأنه خبرُ حق وصدق، ونقيضُ ما صُوِّرَ به، والهدايةُ التي هي
الإرشاد من الله خلقُ الهُدى في القلوب وشرحُ الصدورِ وتوسعَتِها وإقرارِها
بالحق وتسهيله وتيسيرُه عليها وفعلُ الألطافِ الجامعةِ لهم على فعل الطاعات،