وليس في شيءٍ مما حكيناه عنهم ونحكيه مستأنفاً إلا ومعناه ثابت
صحيح إذا حُمل على بعض هذه الوجوه، والقرآن لا يبطلُ ولا تستحيلُ
معانيه، ويناقضُ لظن الملحد لذلك وحمله على ما يصنعُه لنفسِه ويقدره
بجهله، أو تجاهله وإلباسه، وإنَّما يصيرُ وضعُه وتوهمُه فاسداً متناقضاً دونَ
التنزيل وكلام رب العالمين.
فكيف يكون ذلك كذلك واللهُ يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) .
ويقول: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) .
ويقول: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ، ويقول: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) ، و (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) ، و (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) .
في نظائرَ هذه الأخبار الواردة في حفظ القرآن وحياطتِه
وصونه عن مطاعن الملحدين والزائغين وحراسته، وقد بانَ بما قدَّمنا وما
سنذكره من أجوبتهم صدقَ ما خبَّر الله به من حفظ كتابِه وحصولِ الاهتداء
والبيان به.
فأمَّا تعلقهم بقوله تعالى: (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) .
وقوله: (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) ، وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) .
إلى نظائر هذه الآيات، فقد قلنا من قبلُ في تأويل هذا التزيين، وأنَّه ليس من تزيين الكافرين والشياطين بسبيل، وأنه ليس هو الدعوةُ إلى ذلك والترغيبُ فيه، وفي النّاس من يحملُ ذلك على أنه إنما أرادَ بالتزيين خلقَ الشهوة وما جُعلَ في الطباع من الميل والتوقِ إلى ذلك، وليس معناه الترغيب فيه والدعاء إليه، فبطل توهم من ظنَّ أن معنى زيَّنا أننا أمرَنا بذلك ودَعْونا إليه ورغبنا فيه.