للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما إذا جاء إلى من يسيء إلى العالم بأنواع الإساءة في كل شيء من أموالهم وحريمهم، ودمائم، فأكرمه غاية الإكرام، ورفعه وكرمه. فإن الفطر والعقول تأبى استحسان هذا، وتشتهد على سفه من فعله. هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها" (١) أ. هـ.

وقال رحمه الله: "وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول: إنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له، ولا أمر لحكمة، ولا نهى لحكمة، وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة. وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده.

بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات فهما مظهران بحمده وحكمته، فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره. والذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه، فإنهم أثبتوا خلقا وأمرا لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه ألبتة، وينهى عما في مصلحة، والجميع بالنسبة إليه سواء، ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه وينهى عن جميع ما أمر به. ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي، ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعطه طرفة عين بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره، وينعم على من لم يعصه طرفة عين بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور، فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول وإلا فهو جائز عليه. وهذا من أقبح الظن وأسوئه بالرب سبحانه، وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور، بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه" (٢) أ. هـ.

تضارب النفاة:

ولما تحررت المسائل وظهرت الدلائل وتقررت الحقائق، وبانت الصراط


(١) بدائع التفسير (٥/ ٣٩١: ٣٩٢).
(٢) المصدر السابق (٤/ ١٤١).

<<  <   >  >>