وسوف أسوق مثالاً واحداً من قضايا الأعيان التي هي جل رأس مال المخالفين، ليتبين به بطلان ما أصلوه، وصحة ما ذهبنا إليه وقررناه ولله الحمد والمنة.
حديث القدرة:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (١) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له".
واستدل الإخوة المخالفون بهذا الحديث على محل النزاع ظناً منهم أن الرجل قد جهل قدرة الله وعذر بجهله.
والرد على هذا الاستدلال الخاطئ من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا الدليل من قضايا الأعيان التي ليست بمحل صحيح لاستنباط الأحكام لكثرة وجوه الاحتمال التي تعود بالفساد على دلالتها.
الوجه الثاني: أن هذا الدليل خارج عن محل النزاع، فهو في جهل الصفات، والجهل بالصفات لا يستلزم الجهل بالذات إلا أن يكون تصور الذات متوقفاً على العلم بها.
ونحن الآن بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن نقول: إن الرجل قد جهل صفة يكون العلم بالذات متوقفاً عليها؛ ومن قال بهذا نلزمه بإعذار من جهل صفة الوجود، أو صفة الحياة، أو صفة العلم، أو صفة الإرادة، مع القطع بالنجاة له؛ ويتبع هذا الإلزام سؤال آخر: أيهما أكفر من قال: إن الله ثالث