هذا كله سكت عنه القرآن، ومحال أن ينهي القرآن أو يأمر بمجهول لا يعلمه المكلفون. والتكليف عموماً لا يتعلق بالمجهولات، وسكوت القرآن عن بيان هذه الأمور المشار إليها في تحريم الربا، دليل "قرآني" قاطع على ما للسنة النبوية من شأن عظيم في مجال التشريع؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١١٩] وهاهو ذا الربا ليس له تفصيل في القرآن، وهذا دليل أخر على أن السنة الثانتة ليست صادرة عن النبي شخصياً؛ وإنما هي بيان من الله يجريه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتشريع مأذون فيه لصاحب الدعوة، لأنه من أمر الله الذي يجب على الرسول تبليغه للناس. ولا نمل من تكرار قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أوتيت القرآن ومثله معه".
ولذلك جاءت السنة ففصلت أحكام الربا كما فصلت غيرها من الأحكام المتلقة بأفعال المكلفين. فبينت البيوع الربوية؛ والمعاملات الربوية؛ والقروض الربوية. كما قسمت الربا قسمين:
- ربا فضل - وربا نسيئة وأضافت إلى ذاك محظورات أخرى تتعلق بإجراءات العقود الربوية؛ ومن كتابة× وإشهاد، وغيرها.
وهي في كل ذلك امتداد لبيان القرآن، تخصص ما عمم القرآن، وتقيد ما أطلق القرآن، وليس بينها وبين القرآن اختلاف، ولا خصومة، وهذا ما توهمه صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، "فزين له الشيطان سوء عمله فرأه حسناً" وقل لي بربك - بعد ما تقدم من بيان رسوخ السنة في حياة الأمة - هل يمكن عقلاً وواقعاً، وديناً وشرعاً أن تستغنى الأمة عن السنة النبوية،