السعودية حول التعليم في الحجاز في هذا القرن، إسم الشيخ حمدان ضمن المدرسين. وفي ظننا أنه لو كان الشيخ حمدان منتميا إلى بعض الطرق ذات الصلة بالسلطات الفرنسية لما كان مصيره الطرد من الجامع الذي قضى فيه ثلاثين سنة من عمره، بل الطرد من بلاده بطريقة غير مباشرة. ولكنه فضل الشرف على المذلة، وجوار الرسول (صلى الله عليه وسلم) على جوار الاستعمار.
وكان في الحجاز مهاجرون جزائريون جدد وقدماء، ولا سيما في المدينة المنورة، التي كانت عندئذ بدون ضرع ولا زرع، ولا نفط ولا مياه محلاة. فاجتمع الشمل بأسرة العقبى وأسرة الإبراهيمي وبعض الأسر المغاربية، ثم التحق بهم عبد الحميد بن باديس حاجا، وكانت نفسه تحدثه أيضا بالهجرة. وكان القدر يخطط لكل قدره، فالشيخ الذي ذهب مراغما في الأرض نصح تلميذه بالرجوع إلى وطنه وتعمير المكان الذي شغر برحيله. وكان الشيخ حمدان يعرف مكانة أسرة ابن باديس في قسنطينة، ويعرف حدود حركة المتوظف لدى السلطات الفرنسية، فنصح تلميذه ابن باديس أيضا بأن يعمل حرا وأن لا يرتبط بوظيف إداري، مهما كان. وبعد عدة شهور استجاب التلميذ لنصيحة شيخه وشد الرحال عائدا إلى وطنه. وبعد عدة سنوات في التعليم (بطيبة الطيبة) توفي الشيخ حمدان راضيا مرضيا، فقد سمع عن البذور التي كان يبذرها تلميذه في الجزائر، ولم يبق إلا انتظار الحصاد (١).
ولنبق في قسنطينة لنواصل الحديث عن بقية المدرسين فيها مستفيدين من تقارير المفتشين حولهم. لقد خضع مدرسو إقليم قسنطينة لنفس الإجراءات والبرنامج والمقاييس التي خضع لها مدرسو إقليم الجزائر ووهران. فصدر الأمر عن الحاكم العام بإجراء التفتيش على المدرسين في ٦
(١) روى الشيخ الإبراهيمي ما دار بينه وبين ابن باديس في الحجاز وما اتفقوا عليه عندئذ. انظره في سجل جمعية العلماء، ١٩٣٥، وفي (أنا) المنشور في كتاب (في قلب المعركة) الجزائر ١٩٩٤. وعن الشيخ حمدان الونيسي، انظر أيضا المهدي بن شغيب (أم الحواضر في الماضي والحاضر)، قسنطينة ١٩٨٠، ص ٣١٨. وكذلك رسالة الباحث أحمد مريوش عن (الشيخ الطيب العقبي) الخ.