العسكرية التطوعية، وإما يتولون وظائف القياد أو الخوجات أو الترجمة، أو الطب، أو الفقه. ومنهم من يتوجه إلى مدرسة الفلاحة بفرنسا، ولكن عدد الخريجين ضئيل جدا، إذ لا يتعدى الخمسة أو الستة في العام. وقد لاحظت (المبشر) أن التلاميذ يتوقفون عادة في سن السادسة عشرة لحاجة ذويهم إليهم، وهم عادة من عائلات فقيرة، وادعت أيضا أن السكان لهم قابلية في تعلم الحرف والصنائع خلافا لما كان يشاع عنهم، بل ولهم قابلية في التعلم عموما. ولعل في ذلك تكذيبا للمقولة السائدة عندئذ، وهي رفض الجزائريين التعليم وعدم القابلية فيهم أصلا. ولكن صاحب هذا الرأي أبى إلا أن يطعن في اللغة العربية إذ قال عنها إنها لغة غير صالحة للتقدم، وهي لا تؤدي إلى التطور والإصلاح (١).
برنامج المعهد محدود وموجه جدا. أما كونه محدودا فلأنه مقصور على مواد معينة في الحضارة الفرنسية، وهو كذلك غير مفتوح لكل الجزائريين. وأما كونه موجها جدا فلأن كل المواد تصب في هدف واحد وهو إبعاد المتعلم الجزائري عن أصله وتراثه ولغته ودينه وربطه بالحضارة الفرنسية. ولا يغرنك وجود القرآن في المعهد، فقد لاحظ الفرنسيون أن التلاميذ يحفظون آياته دون إدراك معناها، والمؤدب يقوم معهم في المعهد بما يقوم به زملاؤه في المكتب (الكتاب) وهو حفظ بعض السور والآيات. كما لا يغرنك وجود العربية لأنها هي الدارجة فقط وبحصة واحدة أسبوعيا وعلى يد معلم فرنسي، وتعليمها لا يكون إلا باللغة الفرنسية، فهو في الواقع تشويه لها في أذهان التلاميذ الذين هم أعرف بالدارجة ونطقها بالسجية من الفرنسي. أما اللغة الفصحى فكذلك لا تدرس إلا بالفرنسية. والمواد الفرنسية في البرنامج هي الأساسية، وهي اللغة بنحوها وصرفها وتمارين
(١) المبشر، ٢٥ مارس ١٨٦٩، مقالة عربتها عن زميلتها (الأخبار) في ١٥ مارس، والمقالة بقلم غوستاف دوقا. وجعلت المبشر عنوان المقالة الطويلة (النبذة اللطيفة في شأن تأديب وتعليم صبيان المسلمين). وانظر العدد ١ أبريل ١٨٦٩ من المبشر أيضا. والمقالة على كل حال مفيدة.