للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روحي أو غيره، أن يمنع الناس من الجهاد عندئذ، حتى ولو كان محمد الصغير التجاني؟ إننا نعتقد أن حركة الجهاد الأولى قد ساهم فيها تقريبا كل الجزائريين، بقطع النظر عن رؤساء الطرق الصوفية أو الزعامات الأخرى، حقيقة أن الفرنسيين أخذوا ينوهون بالقيادات التجانية منذئذ، لأنها رفعت شعارا مثبطا لحركة الجهاد، وهو قولها: إن الله قد حكم وقدر للجزائر الآن أن تكون بيد الفرنسيين، وأن تحريرها متوقف على عامل الوقت، وهذا الوقت لم يحن بعد، ولن يحين ما دام الفرنسيون أقوياء، وبمعنى آخر إنهم (التجانية) رفعوا الشعار الآتي، وهو أن الاحتلال مكتوب ومقدر ولا فائدة من محاولة التخلص من المكتوب والمقدور ولأن ذلك ضد إرادة الله (١).

جرى إذن حصار الأمير لعين ماضي سنة ١٨٣٨ أيام الهدنة بينه وبين الفرنسيين (معاهدة التافنة). وكان حصارا غير موفق، فبعد المسافة وحرارة الصيف، وانقطاع المؤونة، ومقاومة المحاصرين العنيدة، كلها أدت إلى النتيجة غير المتوقعة، وهي فرض الطاعة على الشيخ محمد الصغير التجاني وقطع الصلة بينه وبين الفرنسيين حتى لا يكون وسيلة للالتفاف على حركة الجهاد بعد ذلك، وكانت معاهدة التافنة تسمح للأمير بشراء السلاح من الفرنسيين ومن غيرهم، وزاد الطين بلة وجود الجاسوس ليون روش الذي كان يلعب دور المورط بين الأمير وشيخ عين ماضي، فالفرنسيون سيكونون هم الرابحين على كل حال، لأن فاليه كان يريد إغراء الأمير بتغيير بعض بنود معاهدة التافنة المتعلقة بالحدود الشرقية (وقد فتح المفاوضات فيما بعد مع المولود بن عراش في الجزائر أثناء رجوع ابن عراش من مقابلة الملك الفرنسي في باريس) (٢). ولو ربح محمد الصغير التجاني المعركة لكانت


(١) نجد ذلك في كل تحرك فرنسي، إذ يستعملون النفوذ التجاني، مثل احتلال بسكرة والأغواط وتقرت ووادي سوف، ثم الهقار وغدامس، وغير ذلك.
(٢) انظر التحفظات التي كتبها فاليه ووقعها ابن عراش، دون موافقة الأمير، في عدة مصادر، منها حياة الأمير عبد القادر لتشرشل، ترجمة سعد الله، و (عبد القادر والجزائريون) لرفائيل دنزقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>