للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل استمرت السلطة الفرنسية في توظيفها لمعارضة التيارات السياسية والإصلاحية التي ولدت في الجزائر منذ ١٩٢٠ (١). ولا حاجة بنا إلى شرح الظروف التي أدت إلى ظهور التيارات السياسية كحركة الأمير خالد ونجم الشمال الإفريقي واتحادية النواب، أو ظهور الحركة الإصلاحية بزعامة ابن باديس ثم جمعية العلماء سنة ١٩٣١ (٢). إن الإدارة التي كانت تتحدث منذ أواخر القرن الماضي عن البديل للطرق الصوفية والتي رأته في النخبة الجديدة المتخرجة من المدارس الفرنسية وفي التحولات الاجتماعية التي أدت إلى تنور الأتباع ووعيهم، هذه الإدارة فوجئت بتحولات من نوع آخر تولدت من الحرب الكبرى، من جنود عائدين من الميدان ومن صحافة نشطة ومن مطالب جماعية برفع الضيم ونيل الحقوق، بالإضافة إلى التيارات السياسية والإصلاحية التي أشرنا إليها، وإذن لا بد من فعل شيء يحدث التوازن في المجتمع الأهلي ويحافظ على الهدوء، الذي ترجوه الإدارة دائما.

ولم يحدث خلال العشرينات أن ظهرت هيئة أو جمعية تعارض الطرف الصوفية سواء بدعم من فرنسا أو بغير دعمها، وإنما ظهر أمران أمام مسمع ونظر الإدارة، وكلاهما يضر بالطرق الصوفية التقليدية، الأول ظهور طريقة الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة التي اعتبرها الفرنسيون نموذجا جديدا للتصوف (العصري)، وقد تعرضنا إليها وبينا أنها كانت تختلف في أسلوب دعوتها وتحركات شيخها وصحفها ومطالبها عن الطرق القديمة والمتجذرة، وقد كانت الإدارة راضية، إن لم تكن مشجعة، عن هذه الظاهرة التي ستؤدي عند بعض محلليها إلى تغيير وجه الطرق الصوفية من الأساس، أما الأمر الثاني فهو نشاط الحركة الإصلاحية بين ١٩٢٠ - ١٩٣١ بزعامة ابن باديس، ويهمنا الآن من هذه الحركة موقفها من المرابطين والطرق الصوفية. ففي


(١) كانت الطرق الصوفية بين الحربين ما تزال تتمتع بعدد من الأتباع ولها عليهم تأثير ونفوذ، وما تزال التقاليد الشعبية تعطيها أهمية خاصة.
(٢) ارجع في ذلك إلى كتاب الحركة الوطنية، ج ٢، وإلى كتاب علي مراد (الإصلاح الإسلامي في الجزائر)، ليدن، ١٩٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>