للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضر بيرم محكمة عنابة متفرجا، وكانت تحاكم شخصا في دعوى جنائية، وبينما هذا الشخص يتكلم إذ تحدث المترجم مع القاضي فصدر الحكم بسجنه فورا، والمتهم ما يزال يعرض دعواه، وقد أخرج الشخص المتهم من المحكمة (باللكم واللطم والسب من أعوان المجلس) وهؤلاء الأعوان كانوا من الأهالي المكلفين بالتجسس والتدخل، ولا يتمتعون بالثقة، وقد انتقد بيرم تصرف القضاة المسلمين أيضا لعدم جدارتهم بالمنصب وسوء اختيارهم، فهم (لا يتقون الارتشاء ولا يحسنون ناموس المنصب) وقد شاهد في عنابة قاضيا يتضارب، مع الخصوم، ويجلس في الحانات مع الأراذل، وبرر لجوء العامة إلى المحاكم الفرنسية وتفضيلها على المحاكم الإسلامية لشيوع مثل هذه التصرفات عند القضاة المسلمين، وقد خشي الشيخ بيرم أن يشيع في العامة الاعتقاد بأن فساد القضاة المسلمين واستقامة القضاة الفرنسيين راجع إلى اختلاف الشعائر الدينية (١).

من حوالي مائتي قاض في الجزائر كان هناك الغث والسمين (٢). هناك من بدأ حياته مجاهدا وانتهى متعاونا مع الفرنسيين لأسباب اجتماعية واقتصادية، وهناك من بدأ حياته متعاونا معهم ثم ظهر معارضا لسياستهم في بعض التفاصيل وظل شوكة في حلقهم، كما نجد الصنف الخامل الذي رضي بالوظيف وعاش به إلى أن أدركته الموت، ومن القضاة من ألف بعض الكتب وترك الرسائل والشعر، وجلس في اللجان وقدم رأيه في الفقه وغيره، وبعضهم قد تولى وظائف أخرى كالإمامة والتدريس والفتوى، ووجدنا من القضاة من أرسله الفرنسيون في مهمات، ومن قدموه في المناسبات، لمكانته من جهة وخدماته من جهة أخرى، فمن الصعب أن نحكم على فئة القضاة بمسطرة واحدة، وفي تعرضنا لحياة بعضهم صورة لما نقول.


(١) محمد بيرم (صفوة الاعتبار ..). ج ٤/ ١٨، وفي مذكرات مالك بن نبي بعض الأخبار عن القاضي الذي كان يشرب الخمر خلال العشرينات من هذا القرن.
(٢) انظر المبشر، أوت (غشت). ١٨٧٦، عن توزيع القضاة في الولايات الثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>