أخرى. والمعروف أن عددا، من أعيان وعلماء الجزائر قد (هاجروا) إلى حكم الأمير من مختلف أنحاء الجزائر، ولاسيما من العاصمة. ومن هؤلاء قدور بن رويلة وصهره علي بن الحفاف. ومن العلماء الذين بقوا في الجزائر عندئذ المفتي مصطفى بن الكبابطي ومحمد بن الشاهد. ويبدو أن الجدل الذي دار بين هؤلاء كان قبيل معاهدة التافنة (١٨٣٧). ولعل كاتب الأمير، ابن رويلة، هو الذي فجر الموضوع بدعوى العلماء للهجرة واحتجاجه بفتوى أحمد الونشريسي في كتاب المعيار، والمعروفة بعنوانها (أسنى المتاجر). والغالب على الظن أن ابن رويلة لم يكتب ما كتب إلا بموافقة الأمير. وقد تولى المفتي الكبابطي الرد عليه وتبرير عدم الهجرة بكون الفرنسيين لم يمنعوا المسلمين من العبادة وكون العامة في حاجة إلى العلماء ليعلموهم مبادئ الدين.
دارت عدة مراسلات في هذا الشأن بين الطرفين، ووصلت أحيانا، إلى حد الاتهامات الشخصية بدل الاحتجاج الديني. وتدل المراسلات على معرفة سابقة بين المفتي الكبابطي وابن رويلة. وهذا ليس غريبا. لأن الكبابطي كان قاضيا ثم مفتيا منذ الاحتلال، وكان معروفا لابن روميلة قبل التحاقه (ابن رويلة) بخدمة الأمير. ومن ذلك التنابز أن المفتي عاتب ابن رويلة على استعماله عبارة (المعظم الأمجد) في مخاطبة رؤساء الفرنسيين. وقد رد ابن رويلة على ذلك بأنه فعلا كان يكتب ذلك قبل أربع سنوات، وكان يكتب ما كتب باسم الأمير، إلى أن نهاه الأمير عن استعمال عبارات مثل هذه في مراسلات، (فتاب) ولم يرجع إليها، وتحداه أن يجد عنده عبارة أخرى غير (إلى عظيم الجنرالات ..) منذ ذلك الحين (١). وقد رد ابن رويلة بعد ذلك على لائميه ردا حاسما بذكره عشرة نقاط كل واحدة منها تدل على خضوع العلماء، أمثال الكبابطي، للفرنسيين مما كان يؤدي في نظره إلى الكفر، ومنها توديع جيوشهم عند خروجهم لمحاربة المسلمين، واستقبالها بعد
(١) يفهم من كلام ابن رويلة أن المحرض على هذا (القول الشنيع) ضده هو مصطفى بن المرابط صهر المفتي ابن الكبابطي.