للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المعنى (١)، ونعتقد أن الوثائق ما زالت تحفظ الكثير من هذا الشعر الذي يخاطب العبد فيه ربه مباشرة أو من خلال رسله وأنبيائه وأوليائه في حالة الشدة والكرب، طالبا منه كشف الهموم ودفع الظلم.

ولعله مما يدخل في هذا المعنى نظرة بعض رجال الدين إلى الإنسان كونه ريشة في مهب الريح ليس لها خيار فيما تختار، وقد شغلت قضية الإنسان، مجبرا أو مخيرا، حيزا كبيرا من مناقشات الفلاسفة والمتكلمين منذ أمد سحيق، ولكن الشعراء لم يبقوا بمعزل عن هذه المناقشات، وممن نظم شعرا في كون الإنسان مجبرا على فعل ما يفعله أحمد البوني الذي تنسب إليه بعض الأبيات في هذا المعنى:

كل الأمور لمبديها وخالقها ... فما على العبد تخيير وتدبير

فالله يعلم ما للعبد مصلحة ... فيه وقد يصحب التعسير تيسير (٢)

ومن تاريخ الشعر الديني والتصوف في الجزائر إظهار عبد الرحمن الأخضري لنبوة خالد بن سنان العبسي بقصيدة طويلة وهامة في ميدانها، فبفضل هذه القصيدة وتبني الأخضري لفكرة نبوة النبي خالد، واعتقاده أنه دفين البلدة المعروفة اليوم بـ (سيدي خالد)، أصبح الضريح مزار الناس من كل فج، وتذكر المصادر أن الأخضري قد أظهر نبوة خالد بن سنان (بطريقي

الكشف أي السر والتربيع، وانتشر خبر الظهور والإظهار، وعم وطم كل أهل الوبر والمدر ذوي الأمصار، ومن ذلك الوقت صار نبي الله خالد بن سنان يزار ويتبرك به) (٣)، وقصيدة الأخضري هذه متينة العبارة، ومنها:

سر يا خليلي إلى رسم شغفت به ... طوبى لزائر ذاك الرسم والطلل

جلت شواهده عزت دوائره ... ما خاب زائره في الصبح والأصل

وفي نبوءته وشواهدها يقول الأخضري صراحة:


(١) انظر دراستنا عنه في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).
(٢) ضمن مجموع بالمكتبة الوطنية - الجزائر، رقم ٢٢٦٦.
(٣) أبو محمد أحمد بن داود (العقد الجوهري)، ورقة ٤، مخطوط، وتبلغ القصيدة ٤٢ بيتا.

<<  <  ج: ص:  >  >>