في هذا الباشا لم يقل مثله في أي حاكم في الجزائر خلال العهد العثماني، إذا حكمنا على الأقل من المصادر التي اطلعنا عليها، ويبدو أن سبب هذا السيل من الشعر فيه قد جاء نتيجة انتصاره على الإسبان وكونه على ما قيل من أصل عربي. فأما دوره في الجهاد فواضح، وأما كونه عربيا فيظهر أن ذلك كان محض ادعاء. كما أشرنا سابقا. ولعل من أسباب رضى الشعراء عنه إدراكه لنفسياتهم وقضاء حوائجهم وتقديم العلماء إليه، ويبدو أن ذلك قد جاءه من تجربته في الإدارة إذ أنه قد تولى عدة وظائف قبل توليه الباشوية، ومن بينها وظيفة خوجة (أو كاتب). ولعل من حسن حظ بكداش باشا أنه وجد ابن ميمون يدون له الشعر الذي قيل فيه وفي جهاده، إذ لولا ابن ميمون لربما ضاع هذا الشعر كما ضاع غيره، ولكان هذا الباشا مجرد اسم جامد في قائمة الولاة العثمانيين بالجزائر.
وليس من هدفنا إحصاء ما مدح به الشعراء، محمد بكداش باشا، فقد تكفل بذلك ابن ميمون في كتابه (التحفة المرضية) وحسبنا أن نحيل على هذا الكتاب، غير أننا نود أن نذكر أن الشعر الذي قيل فيه يختلف جودة ورداءة، وأن المدح قد تناول سيرته وأصله ومواقفه وجهاده وكرمه وشجاعته، وهناك من جاء ناصحا، ومن جاءه متنبئا له بفتح وهران على يده، ومن الشعراء الذين أكثروا من مدحه والتقرب منه أحمد بن قاسم البوني، بالإضافة إلى عالمين آخرين من أسرة البوني (مصطفي بن عبد الله، ومحمد بن أحمد)،
ومنهم يحيى بن أحمد بن أبي راشد، وابن علي، ومحمد بن أحمد الحلفاوي، مفتي تلمسان، الذي خص فتح وهران برجز طويل (١)، ولنذكر من شعراء بكداش أيضا عبد الرحمن الجامعي المغربي، وإبراهيم القنيلي الطرابلسي، ومما يلفت النظر في هذه المناسبة هو أولا كثرة الشعراء الذين لا نجدهم قد تجمعوا في فترة من فترات التاريخ العثماني كما تجمعوا في هذه الفترة القصيرة، وثانيا تغني الشعراء بالجزائر مدينة وقطرا، فهذا الشاعر ابن
(١) سنتناول هذا الرجز وشرحه للجامعي في فصل التاريخ من هذا الجزء.