للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومتى قَدَّرنا غير هذا وأنهم لم يقوموا بتفقد السماع لزمنا أحد أمرين: إما رميهم بالتقصير في نقد الأسانيد، وأنهم سنوا قانوناً لم يطبقوه، ورميهم بهذا لا يرضاه أحد لنفسه، أو إعادة النظر في ترجيح ما نسبناه إليهم، وأنه هو منهجهم، وهذا الثاني لا مفر منه، ويترجح حينئذٍ القول الأول، وهو أنهم إنما يتوقفون فيما لم يصرح فيه المدلس بالتحديث إذا ظهر لهم أنه قد دلَّس حديثاً بعينه، وهو قول قوي لا يبعد أن يكون هو الراجح، وإنما تَمَّ ترجيح القول الثالث كما تقدم بناء على قرائن أقوى دلَّت على أنه هو الراجح عنهم.

ويبقى النظر في جانب آخر يتعلق بهذه المسألة، وهو ما إذا أعل الأئمة إسناداً بعلة، وأغفلوا نقده بالتدليس، فهل يعني هذا انتفاءه عندهم؟ كنت أولاً أميل لهذا، وأرى أنه لو كان منتقداً بالتدليس لنص عليه الناقد، ثم تأملت نقدهم للأحاديث بصفة عامة، فرأيت الواحد منهم ينص على علة يسقط بها الحديث يكتفي بها، مع وجود علل أخرى في الإسناد.

ومن أمثلة ذلك - فيما نحن فيه - أن مسعراً روى عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس: "إذا أصبح صائماً تطوعاً ثم أفطر قضى يوماً مكانه" (١) - قال أحمد: " أبى ابن مهدي أن يحدث بهذا عن سفيان، لأنه يروى عن ابن عباس خلافه، لا بأس به، ابن عباس [يقول] فيه، خالفوا حبيباً في هذا" (٢).


(١). "مصنف ابن أبي شيبة" ٣: ٢٩، و"العلل ومعرفة الرجال" ٢: ٨.
(٢). "العلل ومعرفة الرجال" ٢: ٨، وانظر: "مصنف عبدالرزاق" حديث (٧٧٦٧ - ٧٧٧٠)، (٧٧٧٣)، و"مصنف ابن أبي شيبة" ٣: ٣٠، و"سنن البيهقي" ٤: ٢٧٧.

<<  <   >  >>