للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: قالوا: من أجل أن يشهد له الطريقان؛ الأول والثاني؛ لأن الأرض يوم القيامة تحدث أخبارها؛ أي: ما عُمِلَ عليها من خير وشر، سبحان الله! الأرض اللي أنت تطأ الآن يوم القيامة ستكون شهيدًا عليك أو لك، تشهد بما عملت من قول مسموع تسمعه وتعبر عنه، ومن فعل مرئي تراه وتعبر عنه، سبحان الله! هل لها أعين؟ هل لها آذان؟ لكن أنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فتشهد يوم القيامة بما عُمِلَ عليها من خير وشر، فقالوا: إنه من أجل أن يشهد له الطريقان.

ولهذا عدَّوا هذا الحكم إلى الجمعة، وقالوا: يُسَن أن يأتي إلى الجمعة من طريق، ويرجع من طريق أخرى؛ لأنها صلاة عيد واجتماع، فيُسَن فيها مخالفة الطريق.

ثم تقدم بعض العلماء خطوة أخرى وقال: نعدي هذا الحكم إلى سائر الصلوات، فيُسَن أن يأتي للصلاة من طريق ويرجع من طريق آخر.

ثم تجاوز بعض العلماء خطوة ثالثة، وقال: يُسَن لكل من قصد أمرًا مشروعًا أن يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر.

فلو ذهبت لعيادة مريض فإنه يُسَن لك أن تذهب إليه من طريق وترجع من طريق آخر، ولو ذهبت لصلة قريب فإنه يُسَن أن تأتي من طريق وترجع من طريق آخر، ولكن التوسع إلى هذا الحد في القياس أمر ينظر فيه؛ بمعنى أن هذا لا يُسْلَّم لمن قاس، لا سيما وأن هذه الأشياء التي ذكرها موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل عنه أنه خالف الطريق إلا في العيد، ولدينا قاعدة مهمة لطالب العلم وهي: أن كل شيء وجد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يُحْدِث له أمرًا، فإن من أحدث به أمرًا فإحداثه مردود عليه.

لأننا نقول: هذا السبب الذي جعلته مناط الحكم موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فلماذا لم يفعله؟ فترك النبي صلى الله عليه وسلم الشيء مع وجود سببه سنة، كما أن فعله سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>