للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: إنه فَرَط لوالديه في الآخرة، يتقدمهما ليكون لهما أجرُه، وذُخْرًا ( ... ).

(وأَجْرًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا)، أجرًا يعني اجعل لهما أجرًا، وهذا ظاهر فيما إذا كانَا حَيَّيْنِ؛ لأنهما سوف يصابان به، فإذا أُصِيبَا به فصبرَا على هذه المصيبة صار أجرًا لهما، أما إذا كانَا ميتين فلا يظهر هذا، لكن لعل الفقهاء ذكروا هذا بناء على الأغلب.

يقول: (وَشَفِيعًا مُجَابًا)، الشفيع بمعنى الشافع، كالسميع بمعنى السامع، فمن هو الشفيع؟ الشفيع هو الذي يتوسط لغيره، بجلب منفعة أو دفع مضرة، وسمي شفيعًا؛ لأنه يجعل المشفوع له اثنين، بعد أن كان وِتْرًا واحدًا، فلهذا صار بضم صوته إلى صوت المشفوع له صار شفيعًا له.

وقوله: (مُجَابًا)؛ لأن الشفيع قد يُجَاب وقد لا يُجَاب، فسأل الله أن يكون شفيعًا مُجَابًا.

(اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا)، يعني موازين الأعمال، وذلك بكونه أجرًا لهما؛ لأنه كلما كان أجرًا ثقلت به الموازين، والموازين جمع ميزان، وهو ما يُوزَن به أعمال العباد يوم القيامة.

واختلف العلماء هل هو ميزان حقيقي، أو كناية عن إقامة العدل؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه كناية عن إقامة العدل، وأنه ليس هناك ميزان حسي.

والصواب أنه ميزان حسي، لحديث صاحب البطاقة، أن ذنوبه تُجْعَل في كفة، ولا إله إلا الله في كفة (١٠).

وكذلك يظهر من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ» (١١)، فإن ظاهره أنه ميزان له كفتان، ولكن هاتين الكفتين لا نعلم كيفيتهما؛ لأنه من أمور الغيب التي لم يُعْلَم عنها.

وهل الذي يوزَن العمل أو العامل أو صحائف العمل؟ على أقوال ثلاثة؛ منهم من قال: إن الذي يوزَن العمل، ومنهم من قال: إن الذي يوزَن العامل، ومنهم من قال: إن الذي يوزَن صحائف الأعمال، وذلك لاختلاف النصوص في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>