والصحيح أن الذي يوزَن هو العمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ»، ولقول الله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: ٧]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا}، فهذا يدل على أن الذي يوزن أيش؟ العملُ، وهو كذلك، وهذا الصحيح.
وحجة من قال: إن الذي يوزَن صاحب العمل قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}، الآية، آخرها:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}[الكهف: ١٠٥]، وحديث ابن مسعود لما قام فهبَّت الريح فجعلت تكفؤه، فضحك الناس منه؛ لأنه رضي الله عنه كان دقيق الساقين وكان صغيرًا، فضحك الناس منه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ سَاقَيْهِ فِي الْمِيزَانِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ»(١٢).
فهذا يدل على أن الذي يوزَن العامل، وأما دليل من قال: إن الذي يوزَن صحائف العمل، فهو حديث صاحب البطاقة الذي يؤتَى له بسجلات عظيمة كلها ذنوب، حتى إذا رأى أنه قد هلك قيل له: إن لك عندنا حسنة، فيؤتَى ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقول: إنك لا تُظْلَم شيئًا، ثم توضع البطاقة في كفة، وبقية الأعمال في كفة، فترجح بهم وتميل به (١٠).
فيقال: إن حقيقة هذا وزن الأعمال؛ لأن الصحائف إنما تثقل وتخف بما فيها من العمل، فتكون حقيقة وزنها وزنًا للعمل، وقد يقال: إن الأكثر هو وزن الأعمال، وقد توزن صحائف الأعمال، والله أعلم، لكن الراجح الذي عليه الجمهور أن الذي يوزَن هو العمل.
(وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا)، أعظِم به أجورَهما يعني: اجعل أجورَهما عظيمة، وهنا إشكال نحوي لغوي، قال: أجورَهما مع أن المضاف إليه مُثَنّى، أي لم يقل: عَظِّم به أَجْرَيْهما؟