للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيخ: تقتضي الوجوب؛ لأنه قال: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ»، وتعليق المباح على شرط يدل على أنه لا يباح إلا به، وعليه فيكون الوضوء من الجنابة عند النوم واجبًا، وإلى هذا ذهب الظاهرية وجماعة كثيرة من أهل العلم.

ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمة المتبوعين أن ذلك على سبيل الاستحباب، واستدلوا بحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً (١٣)، ولكنه قد نوزع في هذا الحديث؛ في سنده، وفي دلالته؛ أما سنده فقد ادعي فيه الانقطاع، وأما متنه فقد حمل قولها: لم يمس ماء؛ أي: ماء للغسل، ولكن التعليل بالانقطاع قد رد بالاتصال، وأن أبا إسحاق سمع من الأسود الذي رواه عن عائشة، ومعلوم أنه إذا تعارض الوصل والقطع فالمعتبر الوصل، كما هو معروف في اصطلاح المحدثين.

وأما قولهم: ولم يمس ماء؛ أي: ماء للغسل، فهذا بعيد أن يقيد بالغسل لأيش؟ لأن ماء نكرة في سياق أيش؟

طالب: النفي.

الشيخ: في سياق النفي، فتعم أي ماء، وعلى هذا فالتعليل والتأويل كلاهما لا وجه له.

يبقى النظر؛ فعل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا ما المراد به أو ما الحكمة منه؟ أكثر أهل العلم يقولون: إن الحكمة منه؛ يعني: ترك الرسول عليه الصلاة والسلام الوضوء الحكمة بيان الجواز، وأن الأمر بالوضوء عند النوم لمن عليه جنابة ليس على سبيل الوجوب، وهذه القاعدة قاعدة صحيحة ومعتبرة، خلافًا لمن قال بأن هذا من فعله، فلا يعارض قوله، ولا يجعل فعل الرسول عليه الصلاة والسلام دالًّا على الجواز، بل يقول: هذا من خصائصه، ونحن أمرنا بألَّا ننام إلا بعد الوضوء، أما هو فإنه ينام بغير وضوء، والله تعالى يختص بحكمه من يشاء، وهذه الطريقة يلجأ إليها الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار.

<<  <  ج: ص:  >  >>