للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنا أتعجب من سلوك هذه الطريقة؛ لأنه من المعلوم أننا لا نحمل فعل الرسول عليه الصلاة والسلام أو قوله على الخصوصية إلا حيث تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فإنه لا يجوز أن يحمل النص على الخصوصية؛ لأن الأصل التأسي به، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]، فإذا كان الأصل التأسي به فلا وجه لحمل النص على الخصوصية مع إمكان الجمع.

ويدل على أن فعل الرسول عليه الصلاة والسلام أو قوله لا يحمل على الخصوصية، بل هو على العموم قوله تبارك وتعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠]، وجه الدلالة من الآية: أن الله سبحانه وتعالى بين أنها خالصة، ولولا هذا لكان مقتضى النص أن الإنسان يجوز أن يتزوج بالهبة، هذا دليل.

دليل آخر: لما قال الله سبحانه وتعالى في قصة زينب بنت جحش قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧]، وكانت زينب تحت زيد بن حارثة، وزيد بن حارثة كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحل الله له زينب قال: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}، الحكم خاص والعلة عامة، إذن معناه: أن الحكم الذي يثبت للرسول عليه الصلاة والسلام ويخص به يكون له وللأمة؛ وإلا لم يكن لقوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} فائدة.

إذن فالذي يظهر لي: أن الجنب لا ينام إلا بوضوء، على سبيل الاستحباب، لكنه أوكد من الأكل والشرب؛ ولهذا ذهب الفقهاء رحمهم الله إلى أنه يكره للجنب أن ينام بدون وضوء، وأما الأكل والشرب فلا يكرهان بدون وضوء، ففرقوا بين النوم وبين الأكل والشرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>