هذا النهج، ولكنها تخطئ الطريق، تريد أن تبني على ما اقتبسنا من تشريع الإفرنج، رقد نُهينا عنه. وعندنا تشريع كامل، أمرنا أن نتبعه، وأن نرضى به وحده، مؤمنين مخلصين. وهو تشريع دقيق، صالح في كل زمان وكل مكان. فلئن كان هذا، ولن يكون، فَقَدَتْ هذه الأممُ أَقوى مقوماتها، وهو روح التشريع الواحد المخالط للقلوب، وهو هَديُ القرآن.
وطالما دعونا للهدَي غيرَ وَانِينَ ولا غافلين، وكنتُ أَحدَ الداعين، على ما وسع جُهدي. فلما أَنْ ثار عبد العزيز باشا فهمى باللغة وبالتشريع يزجرههما زجراً عنيفاً، غير عالم أنهما لن يَزُلاَ حتى تزولَ الجبال: وجدتُ الفرصة سانحةً لأَن أستأنف دعوتي، فأرُدَّ عملَ معالي الباشا إلى مصادره وبواعثه، أو إلى نتائجه وعواقبه، وأعيدَ نشر محاضرةٍ كنتُ قد أعددتها منذ بضع سنين، في أَنَّ "الكتاب والسنة يجب أَن يكونا مصدرَ القوانين في مصر". لأبثَّ دعوتي، في سبيل الله، وفي سبيل الخير لأمتى.
فهذا هو الكتاب.
وكنت قد وضعتُ في المحاضرة خطة عملية لاقتباس القوانين من الشريعة، أَجملتها أجمالا، رجاء أن تُفَصَّل عند وضعها موضعَ التنفيذ. فرأيت أن أُفصلها بعضَ التفصيل، في آخر الكتاب، حتى لا يكونَ لمعتذر عذر، بعدَ أن وَضَحتِ الطريقُ واستنارتِ السبلُ.