وهاتان القراءتان هما قراءة أكثر القراء من السبعة، بل العشرة، بل الأربعة عشر، بل مَن عداهم، ممن عَرَفَ معاليه ومن لم يعرف، وممن سمع به ومن لم يسمع!
ثم اختار لنفسه - أستغفر الله - بل لأُمم العرب جمعاءَ، غير مكلَّف أن يختارَ لهم، ولكن عادياً على لغتهم وعلى قرآنهم - اختار قراءَةَ أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر ويونس وغيرهم (إنَّ هذينِ) بتشديد النون في (إنَّ) وبالياء فى (هذين) اختارها من غير دليل إلا يُسرها في مقدوره وعلمه. وهي قراءة صحيحة ثابتة، كاللتين قبلها، وإن عبر عنها بعضهم بالشذوذ، كالإمام أبي عمرو الداني في كتاب (المقنع فى رسم المصاحف) ص ١٢٧. وكالرجاج في قوله "لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف (١) ".
فهذا مبلغ هذا الرجل من العلم! قبِلَ من القراءةِ ما اختلف فيه، وإن كان صحيحا لأدلة يجهلها، ورفض ما لا خلافَ فيه من القراءة، بالهوى والجُرأة، من غير دليلِ ولا شبهةٍ، إلا أنه جَهِلَ شيئا فعاداه.
(١) ومن شاء التوسع فى معرفة توجيه هذه القراءات وأدلتها، فليراجع كتاب (التيسير فى القراءات السبع) لأبي عمرو الداني، طبعة استنبول سنة ١٩٣٠ (ص ١٥١)، وكتاب النشر فى القراءات العشر) لابن الجزرى، طبعة دمشق سنة ١٣٤٥ (٢: ٣٠٨) وكتاب (إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربع عشر) للبناء الدمياطى، طبعة مصر سنه ١٣٥٩ (ص ٣٠٤)، وتفسير الطبري، طبعة بولاق (١٦: ١٣٦)، والبحر لأبي حيان (٦: ٢٥٥).