يرسموا به، لئلا يضبط النطقُ على وجه واحدٍ فتضيعَ سائر الأوجه وكلها من عند الله أنزل، وكلها من لغة العرب، وكلها أذن لهم في القراءَة به. وكانوا هم الأمناء على الوحي، وهم الذين أمروا بتبليغ ما أنزل إِليهم ما وَسِعَهم البلاغُ.
ثم نَقَل عنهم مَن بعدهم من الثقات الأثبات الأمناء، نقلاَ فاشيا واضحاً متواترا، لم يجعلوا شيئا منه سرا مصوناً، ولا كنزا مخفيا، بل هو الإذاعة بأقصى ما يستطيع الناسُ من الإذعة، حتى لا يكون شئُ منه موضعا لشبهة، ولا مَعرِضا لشك، ولا باباً لزيغٍ.
فكان في رأي المستشرقين أَن الرسمَ سَبَقَ القراءةَ، خيالاً منهم وتوهماً، وكان عند المسلمين أن القراءةَ سبقت الرسمَ، حقًا يقينا ثابتا، بأوثق ما تثبتُ به الحقائق التاريخية.
* * *
ولم يكن للمسلمين - من أَول الإسلام إلى الآن - مندوحة عن اليقين بهذأ الوجه، إذ هو الذى لا يعقل سواه، وهو الذى تقتضيه طيبعة ما وصل إليهم من النقل والأدلة.
وكانوا أعرف بأصحاب رسول الله، ثم بالأمة من العلماء والقراء الذين نقلوا إليهم العلمَ والدينَ والقرآنَ، من أَن يظنوا بهم السوء والكذب والافتراء، وكانوا يوقنون بكفر مَنِ عمد إلى تحريف حرف واحد من