للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا". ثم قال:" بسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا " (١).

فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه بهذه البشارات، كدفع معنوي قبيل المعركة، وفيه بيان للجدول المستقبلي لهذا الهدف، فأين هم الآن وأين الشام أو فارس أو اليمن؟ والحقيقة أن من أهم صفات صاحب الأهداف الناجحه أنه يرى هدفه أمامه، وهو ينظر إليه كأنه يحدث الآن، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى هذه الأهداف بهذه الطريقة، - مع تسديد الوحي له-.

وكذا كل أصحاب المشاريع والأهداف الكبيرة، "لقد رأى أديسون المصباح، والأخوان رايت الطائرة، وهنري فورد السيارة قبل أن يشرع أي منهم في خطوة واحد" (٢).

وفي إحدى إجتماعات شركة ديزني قام أحد المجتمعين متأثراً بالانجازات، وقال: ياليت والت ديزني –مؤسس الشركة- حيّ بيننا الآن ليرى انجازاته الرائعة. فرد عليه المدير: لقد رأى ديزني هذا بالفعل قبل أن يشرع فيه، وإلا ما أصبح حقيقة قائمة اليوم (٣).

لذا فلابد من مراجعة وتدقيق في هذا الجدول الزمني المرسوم، فلعل بعد المراجعة والتدقيق والمشورة يظهر أمرٌ هو أحرى وأولى مما سبق، وقد ظهر ذلك بجلاء في صنيع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في عدة مواضع، منها: ما أخرجه البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر، فلما كان آخر حجة حجها عمر- ونحن بمنى- أتاني عبد الرحمن بن عوف في منزلي عشياً، فقال: لو شهدت أمير المؤمنين اليوم أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني سمعت فلانا يقول: لو قد مات أمير المؤمنين قد بايعت فلاناً. فقال عمر: إني لقائم عشية في النّاس فنحذرهم، هؤلآء الرهط الذين يريدون أنْ يغتصبوا المسلمين أمرهم. قال: فقلت يا أمير المؤمنين، إنّ الموسم يجمع رعاع النّاس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك، وإني أخشى إنْ قلت فيهم اليوم مقالة أنْ يطيروا بها كل مطير ولا يعوها، ولا يضعوها على مواضعها، ولكن أمهل يا أمير المؤمنين حتى تقدم المدينة، فإنها دار السنة والهجرة، وتخلص بالمهاجرين والأنصار فتقول ما قلت متمكنا فيعوا مقالتك ويضعوها على مواضعها. قال: فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن به في أول مقام


(١) أخرجه أحمد ٤/ ٣٠٣،والنسائي في الكبرى (٨٨٠٧)، وفي اسناده (ميمون بن أستاذ البصري)، قال ابن كثير في السيرة: ٣/ ١٩٤:" وهذا حديث غريب، تفرد به ميمون بن أستاذ هذا".وفي البخاري (٣٨٧٥) ذكر هدمه - صلى الله عليه وسلم - الصخرة دون ذكر هذه المبشرات.
(٢) أفكار صغيرة لحياة كبيرة، كريم الشاذلي ص٦٥.
(٣) ينظر: المصدر نفسه.

<<  <   >  >>