العمل بأضعفها، ومتى كان كذلك، فإن الله تعالى يخطر على قلب من مصلحته العمل بأقواها - وجوه الترجيح، ويشغل الآخر عنها، فيظن أنها أقوى الأمارات؛ لأن مصلحته العمل على أضعف الأمارات، والظن بكونها أقوى الأمارات مع كونها في نفسها أضعف الأمارات - لا يقبح؛ ألا ترى أنه لا يقبح الظن بكون زيد في الدار، وإن لم يكن فيها، وإذا ثبت أن هذا الذي قلنا جائز عقلاً؛ فما الدليل على أنه غير واقعٍ؟.
والجواب:
قوله:(إنما يجب العمل به عند وجود الدليل، وها هنا لا دليل):
قلنا: الدليل على وجود الدليل الظاهر إجماع الأمة على وجود الترجيح بأمور حقيقية، لا خيالية، ووجود الترجيح يستدعي وجود أصل الدليل؛ أعني: القدر المشترك بين الدليل اليقيني، والدليل الظاهري.
قوله:(يجوز العمل بالأضعف، إذا لم يعرف الأقوى):
قلنا: مقدار رجحان القوي على الضعيف: إما أن يكون الاطلاع عليه ممكنًا، أو لا يكون: فإن لم يكن ذلك، لم يكن ذلك القدر معتبرًا في حق المكلف؛ وإلا كان تكليفًا بما لا يطاق؛ فيكون القدر المعتبر بين الأمارتين في حق المكلف مساويًا، لا راجحًا.
وإن أمكن الاطلاع عليه، فإما أن يجب على المكلف تحصيل العلم بتلك الأمارة إلى أقصى الإمكان، أو لا يجب:
فإن كان الأول: كان من لم يصل في معرفتها إلى أقصى الإمكان تاركًا للواجب، فيكون مخطئًا.