للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتبرَ الجاهلُ النسخَ ثمرةً للبَداء، وهو ظهورُ الشيء بعدَ خَفائِه، واللهُ

منزَّهٌ عن البَداء، لأَنه سبحانه أَحاطَ بكلِّ شيء علْماً، وهو يعلمُ الشيءَ قبلَ

حُدوثِه..

ومن جهلِ الفادي قياسُه فعْلَ اللهِ على فعْل الإِنسان، وعدمُ ملاحظتِه

الفرق بينَ مَقامِ اللهِ وضَعْفِ الإِنسان.

فالإِنسانُ جاهلٌ قَصيرُ النظر، ولذلك يُغَيِّرُ ويُبَدّلُ في قوانينِه، بحسَب ما يَبدو له من علمٍ جَديد.

ونسخُ اللهِ لبعضِ أحكامِه ليس من هذا الباب، فلا بَداءَ في علْمِ الله،

وهو سبحانه يَجعلُ بعضَ أَحكامِه موقوتةً بزمنٍ مُحَدَّد، لتحقيق مصلحةِ

المسلمين، فإِذا انتهى زَمَنُها نَسَخها وأَتى بأَحكامِ أُخْرى بَدَلَها.

وهو العليمُ الخبيرُ الحكيم.

ويُشيرُ إِلى هذه الحقيقةِ قولُه تعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١) .

فالآيةُ صريحةٌ في تَقريرِ حقيقةِ علْمِ اللهِ بما يُنزل، وجاءَ هذا التقريرُ في جملةٍ معترضةٍ للاستدراك (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) ..

فالنسخُ والتبديلُ في الآياتِ مبنيّ على علْمِ اللهِ بما يُنزلُ قبلَ أَنْ يُنزلَه، فلا بِداءَ فيه.

٢ - ادَّعى الجاهلُ المفترِي أَنه لا يوجَدُ نَسخ في اليهوديةِ والنصرانية،

ونَقَلَ كَلاماً منسوباً لعيسى - عليه السلام - في نفيِه.

قال: " لأَنَّ الناسخَ والمنسوخَ ليس له وُجود في اليهوديةِ ولا في المسيحية.

قالَ المسيح: لا تَظنوا أَنِّي جئتُ لأَنقضَ الناموسَ أَو الأنبياء، ما جئتُ لأنقضَ بل لأُكملَ، فإِنِّي الحقَّ أَقولُ لكم: إلى أنْ تزولَ السمواتُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أَو نقطة واحدةٌ من الناموس، حتى يكونَ الكُلّ ".

وادّعاءُ الجاهلِ باطلٌ مردودٌ عليه، وهو مُفْتَرٍ في نفيِه النسخَ بين اليهوديةِ

والنصرانيةِ، وقد نَسَخَ اللهُ برسالةِ عيسى - عليه السلام - بعضَ الأَحكامِ التي جعلَها على اليهود، وجاءَ هذا المعنى صريحاً في قولِه تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>