للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقمت من عنده؛ وقد - والله - أَرعبتُ العِلجَ جهدي، فأَرسل إِلينا العلج: إِمّا أَن تعبروا إلينا بـ (نهاوند)، وإِمّا أن نعبَر إِليكم، فقال النعمان: اعبروا، فعبرنا، فقال أَبي (١): فلم أَر كاليوم قط، إنَّ العلوج يجيئونَ كأنّهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أَن لا يفرّوا من العرب، وقد قُرِنَ بعضُهم إِلى بعض، حتّى كانَ سبعة في قِران، وأَلقوا حَسَكَ (٢) الحديد خلفهم، وقالوا: من فرَّ منّا عقره حَسَكُ الحديد، فقال المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتَهم: لم أَرَ كاليومِ فشلًا، إن عدوّنا يُتركون أن يتتاموا، فلا يُعْجَلوا (٣)! أَمّا والله لو أنَّ الأَمرَ إِليَّ؛ لقد أَعجلتهم به.

قال: وكانَ النعمان رجلًا بكّاءً، فقال: قد كانَ الله جلّ وعزَّ يشهدُك أَمثالها؛ فلا يحزنك ولا يعيبك موقفك، وإِنّي - والله - ما يمنعني أن أُناجزهم (٤) إِلّا لشيءٍ شهدته من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -:

إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا غزا فلم يقاتل أَول النّهار؛ لم يعجل حتّى تحضر الصلوات، وتَهُبَّ الأَرواح، ويطيبَ القتال. [فما منعني إلا ذلك].

ثمَّ قال النعمان:

اللهمَّ! إِنّي أَسألك أن تُقِرَّ عيني اليوم [بفتح] يكون فيه عزّ الإسلامِ وأَهله، وذل الكفر وأَهله، ثمَّ اختم لي على إِثْرِ ذلك بالشهادة، ثمَّ قال:


(١) يعني: جبير بن حَيَّة؛ الراوي عن عمر.
(٢) الحسك: ما يعمل على مثال الحسك؛ كان يلقى حول العسكر، ويثبت في مذاهب الخيل، فينشب في حوافرها.
(٣) كذا الأصل، و"الإحسان"، وفي "التاريخ": (يتأهبون لا يعجلون)، ولعله أصح.
(٤) أي: أن أسارع إلى قتالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>