للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثاني: في قوله: (إنما الأعمال بالنيات) هذا أشهر الروايات وأظهرها لإفادته الاستغراق صريحًا؛ لأن (إنما) مفيد للحصر بمنطوقه لكونه بمعنى (ما) و (إلا) كما يدل عليه موارد استعمال الآيات والأحاديث وكلام العرب، وذلك بحكم الوضع، وما ذكروا من وجوه إفادته الحصر فلمناسبات ذكروها في وضع (إنما) بمعنى (ما) و (إلا) كما هو عادة النحاة، ولو قيل بعدم إفادة (إنما) الحصر كما ذهب إليه بعض، واستدل بما لا يتم الاستدلال به كما ذكر في موضعه، فإفادة اللام للاستغراق في الأعمال كافية في ذلك، إذ معناه: كل عمل بالنية، ويلزم منه أنه لا أعمال إلا بالنية، وقد وقع في معظم الروايات بإفراد النية، والمراد بها الجنس، وقيل في وجه إفراده: إن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها، بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالجوارح وهي متعددة فناسب جمعها، ولأن النية ترجع إلى الإخلاص المراد به الواحد الأحد الذي لا شريك له، وقد جاء في (صحيح ابن حبان): (الأعمال بالنيات) بحذف (إنما)، وجمع الأعمال والنيات، وكذا وقع في (العتق) من (صحيح البخاري) من رواية الثوري، وفي (الهجرة) من رواية حماد بن زيد، ووقع عنده في (النكاح) بلفظ: (العمل بالنية) بإفراد كل منهما، كذا في (فتح الباري) (١).

ويجوز إرادة الحصر في الجميع بحمل اللام على الاستغراق جمعًا أو مفردًا، وقالوا: المراد بالأعمال أعمال الجوارح، فلا يتوجه أن النية أيضًا من الأعمال، فينبغي أن يتوقف على النية ويتسلسل، والتحقيق أنها تعم أفعال الجوارح وأفعال القلوب؛ لأن الكل يتوقف على النية صحةً أو ثوابًا.


(١) "فتح الباري" (١/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>